يعتبر الشعر البدوي مصدراً أساسيا للإبداع الثقافي في الأردن حتى مطلع القرن العشرين بالإضافة إلى الحكاية أو القصة التي قيلت فيها القصيدة . وهي ثقافة مروّية لم تحظ بالتدوين حتى عام 1927 على يد الأب بولس سلمان في كتاب خمسة أعوام في شرق الأردن . وقد لاحظت أن بعض هذا الإبداع الثقافي حاضر في أذهان الناس حتى يومنا هذا . ففي ثورة جبل العرب على الحكم العثماني عام 1909/1910 بقيادة ذوقان الأطرش والد سلطان غنى الدروز شعراً حماسياً يقولون فيه.. يا بو قذيلة هل هلّة الموت ولا المذلّة وأصبح الآن عنواناً للاحتجاجات في سوريا بالإضافة إلى الحداء الذي رددّه الأردنيون زمن الغزو القبلي ثم الحروب مع اليهود “سيفنا يخلي الدم شلال سيفنا ما يبرى صويبه” وهذا الحداء بلحنه لم يزل يتردد على السنة المتظاهرين في ريف دمشق . وتلك ظاهرة تستحق التأمل والدراسة ... كانت بلاد الشام والجزيرة العربيّة كتاباً مفتوحاً للإبداع الثقافي عند البدو . ينتقل الإبداع الجيد مع الرواة من المسافرين ورجال القوافل . وإظعان القبائل التي تغيّر منازلها بين حين وآخر . فقصيدة راكان ابن حثلين من الدمام بالسعوديّة عام 1845

لي صاحب مانيتي عنه نيّة أثره قضي ماجته ما تناني

ولّي وأنا راكان زبن ألونيّة ماياخذ الفضلات كود الهداني

لم تزل محفوظة في ذاكرة المعمرين الأردنيين ونجد لنمر ابن عدوان تدويناً في كتاب عبد الله الصقري عن أفضل ما قيل من أشعار البدو . الذي صدر في السعوديّة في السبعينيات من القرن الماضي . ونجد تشابهاً حرفياً بين قصيدة دونها عارف العارف عن بدو فلسطين الجنوبيّة عام 1927 وقصيدة الشاعر محمد بن احمد السديري التي نشرت في عام 1964

ما قال من هو عدّى على راس عالي

رجم طويل ما يدهله كل جرناس

إذا خاب ظنك بالرفيق الموالي

ما لك عشم على باقي الناس

إما حداء الحماس في الغزو القبلي فقد أصبح غناء خاصاً للحصادين زمن المناجل . جابت الغدا والصبوح ياخدها برق يلوح ... تنوع الشعر البدوي الأردني في المضمون بين وصف الشجعان والغزل ومدح الكرماء من الرجال . ووصف بعض الأحداث بصورة تسجيليّة غابت عن بال المؤرخين . كما في مثايل الشاعر عبد الله أللوزي

اللوزي ساوى مثايل وشد من الهجين حايل

حرّة ما تداني الزوايل شقحا وأبوها وضحيان

وبالرغم من أن الشاعر السلطي سالم العلي الحياري من سكان المدن ولم يسبق له العيش في البادية فقد أبدع قصيدة بدوية جزلة اللفظ والمعنى ملتزما بشكل الشعر الشروقي الذي يعتبر أرقى أنواع الشعر البدوي

حر تحدّر من مسانيد حوران يدّور الغرات ذيب الشلايا

طل الرقيبة وقال متعب بمكمان وأخوات ذيبة باتعين الهوايا

للحين ذر كليب ما فان له شان وللحين سروج الخيل منهم ملاّيا

وبعض الحكايات والأشعار مصنوعة من قبل الرواة لتكون درساً في الحضّ على العفّة كما في قصة عجايب وفرج الله وقصيدتها .

تستعين ليلة وإنا مجاضع على طيب وإنا كما طفلة مرخية الذوايب

وقد نهل من هذا النبع شاعر الأردن عرار مصطفى وهب التل في اغلب أشعاره :

يا أخت رم كيف رم وكيف حال بني عطية

أين السّوام وسرح اهلك بالعشيّة يا عجيّة

ومراحكم لم أنكرته معاطن الإبل السريّة

وجفته حيهلة الاماء وهسة العبد الونية

وفيما اقتصر اغلب شعر عرار على التمرّد ونقد الظلم والساسة ومناصرة الفقراء والغجر . واورد أسماء مئات الأماكن والقرى والمدن الأردنيّة

قسماً بماحص والفحيص والطفيلة والثنية

نجد أن بواكير الإبداع الثقافي عند حسني فريز وعيسى الناعوري ومحمد بطاح المحيسن وغيرهم من الرواد متأثرٌ بقراءتهم لكتب التراث والأدب اليوناني القديم . حتى بواكير الكفاح الفلسطيني حيث اصبح مع النكبة مادة خصبة للإبداع . كما نجد في معارضات وتشطير الملك عبد الله الأول بن الحسين تنوعاً ثقافياً ساجل فيه كل من عبد المنعم الرفاعي وعبد الحليم عباس وفؤاد الخطيب ومصطفى وهبي التل وغيرهم . كذالك مقالات الملك الأدبية والنقدية باسم مستعار في جريدة الجزيرة حتى انه انتقد رئيس وزرائه توفيق أبو الهدى في قصيدة من القلم الحي إلى القلم الشهيد :

عروض وفيه البرق سحت سحائبه ونوّ غريب النبت جاشت عجائبه

اذا الليث اخلي الغاب يوما لقيته وقد رفعت صوتاً بليل ثعالبه

هذه بعض جذور التنّوع الثقافي في الأردن . أما إبداع الأجيال التالية من الشعراء وكتاب القصة والمسرحيّة فقد أسهب الباحثون والنقاد في الكتابة عنهم .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور