يختلف الجيران على شأن من شؤون الحياة اليومية ... الطريق .... النفايات ... موقف السيارات ... شاب لسانه طويل لم يستطع أهله أن يقصّروا منه مبكراً ... شجار أولاد يلعبون ... ينتقل الشجار الى الآباء والأمهات رغم أن الأولاد سيتصالحون في اليوم التالي ويتقاسمون رغيف الزعتر قبل دخول غرفة الصف المدرسي ... في السنوات الأخيرة تطور الخلاف البسيط الى شجار يصل حد القتل ... فجأة تنقلب حياة أسرة القاتل رأساً على عقب .. رحيل من الحي الى مدينة أخرى طلباً للحماية فيما يسمى الجلوة ... ليست أسرته وحده . بل عائلات خمسته من الفروع والأصول بيوت جديدة بالأجرة في بلد الجلوة . وبيوت فارغة في الحي الذي غادروه مرغمين ... مدارس جديدة يتأقلم فيها الأولاد والبنات بصعوبة بعد أن أمضوا سنوات من الدراسة من الروضة الى الإعدادي يبنون علاقات الصداقة والزمالة مع أقرانهم بما في ذلك عائلة القتيل التي أصبحت غولا يتهدد حياتهم ... لطالما استعار أحدهم من الآخر قلماً أو اقترض ربع دينار يوم لم يجده في جيب والده ...

الوضع أسوأ في الجامعة .. الذين ركبوا الباص معاً كل يوم وتبادلوا نقل المحاضرات في حالة غياب أحدهم عن القاعة أصبحوا أعداء يهرب أحدهم من طريق الآخر ويبحث عن كليّة أخرى بعيداً عن قريبه أو صديقه الذي كان بالأمس القريب يتقاسم معه وجبة واحدة توفيراً للنفقات .أما حال الموظفين الذين رتبوا شؤون حياتهم اليومية مع مكان عملهم وسكنوا بيتاً موروثاً من الوالد أو شقة كافحوا لشرائها بالأقساط فالأمر أسوأ من أن يوصف . الذين ابتدعوا طقس الجلوة قبل قرن من الزمن أو أكثر قصدوا بحكمة حقن دماء الناس بالثأر واوكلوا للزمن تهدئة النفوس ... يمددون العطوة من حين الى حين توطئة للصلح . كان الناس في عصرهم يعيشون في بيوت الشعر وليس أسهل من رمي أعمدته وفك حباله وحمله مع الأثاث فوق بعيرين خلال ساعة واحدة والرحيل الى منطقة الجلوة ... هناك يحظون باستقبال الوجه الذي يكفلهم ويتمتعون بحمايته الى حين اجراء الصلح العشائري ... فرض القضاء البدوي أحكاماً صارمة على من يقطّع وجه الكفيل ويعتدي على المكفول . وفرض أحكاماً توزع نفقات العطوة والجلوة والديّة والصلحة على قبيلة القاتل . وأصبحت هذه العادة بالتكافل الاجتماعي عرفا قبلّياً سائداً لا وجود له في زمننا هذا الا في حدود تطوّع بعض الموسرين لمد يد المساعدة .يسبّب القاتل الذي ربما يُحكم بالإعدام أو السجن المؤبد مصائب جمّة لأسرته والأقربين من خمسته لم يفكر فيها لحظة الغضب الأعمى عندما طعن بالسكين أو أطلق النار . الحاكم الإداري الذي ينفذ قانون منع الجرائم في ولايته لا يجد بداً من اجلاء ذوي القاتل عن منطقة ذوي القتيل منعاً للاحتكاك الذي ربما يقود الى جريمة قتل أخرى .

في عام 1998 استفتيت كوكبة من شيوخ قبائلنا في برنامج تلفزيوني عن الجلوة ... منهم الشايش الخريشة ومحمد سعود القاضي ومثقال الفواز وفيصل الجازي وطلال الماضي وصالح العفاش راعي الجذوا وضيف الله الكعيبر وسويلم الصفيّان وعوض السميران ... اجمعوا كلهم على بؤس وألم الجلوة في الزمن الحاضر ولكنهم أصرّوا انه لا بد منها


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور