امتعتنا الفنانة سميرة العسلي وهي تشدو بالأغنية التراثية ... هبت هبوب الشمالي بردها شيني ... ما تدفي النار لو حنّا شعّلناها ... استغربت ان تنسب كلمات الاغنية الى شاعر او شاعرة من جيلنا المعاصر ... فالقصيدة بكلماتها الكاملة موغلة في القدم ... حوالي ثلاثمئة سنة ... في زمن كانت قريحة الشاعر تتأثر بصعوده للمرتفعات حتى تهيج افكاره ويبدع ما في نفسه ... في زمن كانت الابل خلاله تعالج بالقطران اذا اصيبت بالجرب والماء يشرب من القربة كما يرد في القصيدة الكاملة التي التزم شاعرها بالمطلع التقليدي الذي يسميه شعراء البدو بالمشد ّ .. وهو اول بيت في القصيدة ... وغالبا ما يكون المشد رسالة شفهية مع هجان او وصف للمكان الذي وقف فيه الشاعر وهو يؤلف القصيدة . كما هو حال شاعر جبل العرب شبلي الأطرش :

من بعد ذا شديت عشرة سراحيب

مثل الذي يقطعن الذو تهذيب

ان مشن ذرعانهن مثل الدواليب

بالوصف مثل رفوف الحمام

أو شاعر البلقاء نمر العدوان في رسالته الى جديع ابن هذال في بر الشام :

سار القلم بغبة الحبر شربي

كن سار ميم ودال فوق الكتابي

من بعد ذا يا راكب اللي تهربي

سودا تمرمح تقط السرابي

أو سينية الأمير محمد بن أحمد السديري :

ما قال من هو عدا على راس عالي

رجم طويل ما يدهله كل جرناس

تنسب القصيدة موضوع البحث حسب الروايات الى الشعراء عبد الهادي الروقي أو الشاعر فهد العجمي .. وأبياتها توحي بشاعر مطبوع من فحول شعراء البادية وهو يبدأها بصعوده للمرتفع :

عديت في مرقب و الليل ممسيني...بديار غربه علّ السيل ما جاها

اضحك مع اللي ضحك و الهم طاويني...طيّة شنان القرب لا قطّرو ماها

و راك ما تزعجين الدمع ياعيني....على هنوف جديد اللبس يزهاها

هبت هبوب الشمال و بردها شيني...ما تدفي النار لو حنا شعلناها

ما يدفي الا حضن مريوشة العيني... كل ما عطشنا شربنا من ثناياها

ياعل من شار بالفرقى عمى العيني...والا بشلفا على الفخذين مبراها

جعله حسير كسير و راكبه ديني.... واتلى حلاله ذلول راح يطلاها

يصف الشاعر حزنه على فراق محبوبته لدرجة أنه يضحك مع الاخرين بينما هو مهموم من الداخل وقد تيبس قلبه مثل قربة فارغة تيبست بعد ان أفرغ منها الماء .. ونجد أن مطلع الأغنية موضوع البحث يأتي في منتصف القصيدة ... وهو يدعو على من أشار عليه بفراق محبوبته بالعمى أو بشلفا تضربه في فخذيه .. والشلفا أكبر من الشبرية وأصغر من السيف ... وهو يتمنى له الحسرة والكسرة وركوبه بالدين للرجال وأن كل ما يملكه ناقة جرباء ينشغل بطلائها بالقطران ... دأب المطربون في الجزيرة العربية ( محمد عبده وطلال مداح ) وفي الاردن ( عمر العبد اللات وسميرة العسلي وسلوى وفرقة اللوزيين ) على استلهام التراث في أغانيهم وهي ظاهرة تستحق التقدير ... فهناك فرق كبير بين ... يا كليب شبّ النار يا كليب شبّه وبين ... الطشت قاللي يا بنت ياللي قومي استحمّي ... ففي زمن التغريب الذي يعانيه هذا الجيل لا بد من تذكيره بجذوره .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور