حينما احتفل الشباب بالذكرى الأولى لاعتصامهم في ميدان جمال عبد الناصر أمام محافظة العاصمة وقريبا ً من وزارة الداخليّة؛ كانت مؤسسة العرش أولا ً والحكومة ثانيا ً قد قطعت شوطا ً طويلا ً في الاصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد الذي عشّش في البلد أكثر من عقد من الزمن . أنجز قانون الاحزاب وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات .. والحكومة تتشاور مع الأطياف السياسية لإنجاز قانون الانتخابات البرلمانيّة لتجري في نهاية هذا العام حسب الرغبة الملكية ..

وقبل كل هذا أنجز قانون انتخاب المجالس البلدية وجرى تحديد موعدها بالرغم من شرخ الهيكلة الذي حاول فصل بلديات صغرى عن البلدية الكبرى الأم ... وفي مجال مكافحة الفساد لم يحلم الاردنيون أن يروا رؤوساً كبيرة طاولت قمة المسؤولية لفترة من الزمن وهي تقاد الى السجون وتخضع للمحاكمة العلنية ... ولم تزل شهيتنا مفتوحة على كل تصريح اعلامي يصدر عن الباشا سميح بينو ...

جاء المعتصمون في 24 اذار الى الميدان لاحياء الذكرى الاولى لاحتجاجهم على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي . سبقتهم قوات الأمن العام لنفس الهدف القديم الجديد ... المحافظة على الأمن ومنع الاشتباك بين قوى الشد العكسي لمسيرة الاصلاح . الذي يبدأ بملاسنة الفريقين وينتهي بالاشتباك بالايدي والعصي والحجارة قبل أن يتدخل الأمن العام ويفض الاشتباك وينهي مسيرة الاعتصام باخلاء الساحة أو الشارع من الناس حفاظا ً على الأرواح والممتلكات العامة في شوارع المدن ومنها العاصمة عمان .

اعتصم الشباب بكل تعقّل وهم يحيون ذكرى عام من الاحتجاجات على الأوضاع المعيشيّة والبطالة اولاً . والاصلاح السياسي ثانياً ... وقف رجال الأمن بحالة استرخاء وهم يتنفسون الصعداء . فجذور الأرحام متشابكة بين الشرطي والمعتصم المتظاهر . لدرجة أن الشرطي يرى شقيقه او ابن عمه بين المعتصمين وهو يعرف ماذا سيحدث لو خرجت الأمور عن حدّها وانطلقت قنابل الغاز ورفعت العصي بوجه المحتجين الغاضبين ... كما هو حال رأس الدولة منذ المملكة الأولى وحتى الرابعة نجد أن الملك يتسامح فيما يخصه من زلاّت الجمهور الغاضب من الشباب المندفع كما هو حال عدي ابو عيسى في مادبا وغيره من المتطرفين اصحاب التجربة الطويلة في العمل الاجتماعي والسياسي ... فالملك مسؤول عن رعيته الصالح والطالح منها ... ولولا تسامحه لامتلأت السجون بضحايا المخبرين والوشاة ...

ما يثير الدهشة أنه خلال عام ويزيد من احداث الربيع العربي التي تزامن فيها خلع الرئيس زين العابدين بن علي في تونس مع أولى الاحتجاجات الشعبيّة ( خاصة الشبابيّة منها) في المملكة ابتداء من ساحة الجامع الحسيني الى ساحة النخيل وميدان جمال عبد الناصر واربد والسلط والكرك والطفيلة ومعان بما في ذلك حراك المعلمين والمتقاعدين العسكريين ... كل هذا الوقت وكل تلك التجمعات لم تفرز حزبا ً سياسيا ً جديدا ً على الساحة يمكن أن يسهم في شكل مجلس النواب القادم والحكومة التي ستتشكل بعده ... تشابهت مطالب الجميع في المدن والجامعات وساحات الاعتصام ولكنها لم تلتق من الشمال الى الوسط الى الجنوب على فكر وايديولوجيا يفرز حزبا ً سياسيا ً ينقل صوت المحتجين الى المنابر الديمقراطيّة ... في العالم المتقدم حينما يتقاعد الجنرال ويخلع زيه العسكري يجد مكانه في الأحزاب السياسيّة التي تخطب ودّ تجربته الطويلة ... والبعض يبدأ بتأسيس حزب خاص ويجد الاف المناصرين له ولأفكاره ... ما الذي (يجفّل) الجيل الجديد من الشباب الأردني عن التجربة الحزبيّة ... وهم لم يجربوا احزاب الماضي التي كان يعمل أغلبها تحت الأرض ... وبعض قياداتها كانت نزيلة السجون بين حين واخر؟؟؟؟؟ ... تلك حالة تستحق الدراسة في أوساط الشباب الذين يتصدرون مسيرات الاحتجاج ولا يجدون وقتاً للتجمع في حزب واحد سيكون له شأن كبير في الحياة السياسيّة الأردنيّة اذا سلم من الانتهازيين والمتسلقين ...


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور