ولد حابس بن رفيفان المجالي داخل زنزانة من سجن معان في القسم الحجازي من المدينة. فمعان كانت معروفة بحيين. الشامية من جهة الشمال والحجازية من جهة الجنوب. وتقع قلعة معان مع السجن في حي الحجازية. نرجح أن تكون ولادته في النصف الأول من عام 1911 اذا أخذنا بعين الاعتبار أن القوات العثمانيّة وصلت الكرك لقمع الثورة في الأول من كانون الأول عام 1910. وتعتبر والدته بندر مع مشخص زوجة قدر زعيم الثورة أول سجينتين سياسيتين في الشرق الأوسط. كان والده ارفيفان لاجئاً في مضارب عبدالكريم بن رمان شيخ تيما قرب مدائن صالح. ونرجح أن حابس خرج مع والدته من السجن في أواخر عام 1911 عندما اعلنت الحكومة العثمانية عفوا عاماً عن أهالي الكرك والدروز والحورانيين بعد احتلال ايطاليا لطرابلس الغرب. نشأ حابس في بيت زعامة يقصده طالبو الحاجة في مجتمع ثقافته بدويّة. فقد كان الشاعر الشراري أبو الكباير دائم التردد على شيوخ الكرك يمدحهم ويأخذ عطاياهم وهناك الكثير ممن يقرظون الشعر من قبيلة المجاليّة وقد اثرت هذه الثقافة بحابس الذي أبدع اشعارا قليلة نابعة من معاناته ومعاناة مجتمعه في تلك الفترة وفي الفترات اللاحقة من حياة الجنديّة التي خاضها.. فمن اشعاره الشائعة التي غناها الكركيون بمصاحبة الربابة أو العود:
دنا القلم وأبيض القرطاس. وبخاطري ناظم بيتين.
عاللي بهواها سليت الناس. سبع سنين تواليني.
وقد شاعت بين الأردنيين في الأربعينات من القرن الماضي قصيدة الهاتف التي قالها حابس بلحن الهجيني حينما كان قائداً للحرس الملكي ويرافق الملك عبدالله الأول الى مشتاه في الشونة:
العصر مع هبة الطارش. رن الجرس يطلب الشونه.
يا حابس قم كلم الهاتف. وأسرار بالقلب مكتومة.
وان خلاني ربي وانا حابس. لأعلل الترف بقصوره.
وقد كتب كلمات الأغنية الحماسية وفي ذاكرته أغاني الحداء التي تشجع الفرسان على القتال في مدينته الكرك أيام الغزو القبلي زمن الحكم العثماني.. فقد تداول الكركيون زمن ثورتهم على الحكم العثماني عام 1910 حداً سريعاً يقول:
يا سامي باشا ما نطيع.
ولا نعد رجالنا.
لعيون مشخص والبنات.
ذبح العساكر كارنا.
ونجد أن حابس قد تأثر بنفس الروح الحماسية التي سادت زمن الهيّة وأنشد قصيدته التي امر رفيق دربه الرئيس الشهيد وصفي التل بتلحينها وغنائها من قبل المطربة سميرة توفيق:
وش علمك بالمراجل يا ردي الحيل.
وش علمك بالمراجل والمشي بالليل.
حنا رجال الوطن حنا كراسيها.
حنا رماح القنا لا تعكزّت عليها.
اشتهر شعر الهجيني وغنائه كثيرا في الكرك.. فأبياته القليلة تتيح للشاعر أن يقول ما بنفسه من خلال بيت او بيتين من الشعر على قافية واحدة.. ونادرا ما نجد كركيا من الاجيال السابقة لا يحفظ الهجيني ويغنيه.. وعلى هذا المنوال صاغ حابس هجينيته التي تتحدث عن عاشق متعب يطلب الى اصدقائه أن يريحوه بمغازلة الفتيات (يطرد هوى البيض) لمدة يومين.. فقد اضناه هواهن حتى أنه شبهه بالسم بين ضلعين:
يا عيال مين يريحني.
ويطرد هوى البيض يومين.
وانا هوى البيض سوسحني.
سم وسقط بين ضلعيني.
وبيت الزعامة هذا دخل معترك السياسة مبكرا فتوفيق بن اسماعيل المجالي كان اول نائب أردني في مجلس المبعوثان العثماني. وهيّة الكرك أو ثورتها كانت أول تمرد شعبي على السلطة العثمانيّة. وحينما كان حابس في السابعة من عمره كان آخر جندي عثماني يغادر أرض العرب بعد انتهاء الثورة العربية الكبرى.
وللحديث بقية.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور