أعلنت دائرة مكافحة المخدرات في مديريّة الأمن العام عن حصيلة جهودها في خمسة الأشهر الماضية وقدمت لنا رقماً مرعبا ً من المضبوطات والمروّجين التجار والمتعاطين ( بينهم 138 طالباً وطالبة ) ... ضبطت الدائرة أكثر من ثمانية ملايين حبّة مخدر واكثر من اربعة أطنان حشيش وحوالي ثلاثة عشر طن كوكائين واكثر من واحد وخمسين طن ماريجوانا واكثر من ثلاثة اطنان ميثافيتامين بينما تواضع الافيون في حركته داخل البلاد ليقف عند عشرة كيلو غرامات ...

الرقم مرعب اذا اخذنا بعين الاعتبار خلفيّة المجتمع المحافظ المتديّن وعدد السكان الذي لا يتجاوز عدد سكان احدى محافظات مدينة القاهرة ... هل هناك خلل في فهمنا لدور الأمن العام الذي نلّمعه في صحافتنا خشنا ً وناعما كل مسيرة احتجاج ومظاهرة لا يتجاوز عدد الناس فيها أكثر من اربعمئة مخلوق في الأكثر ومائة وعشرة في الأقل مع المتفرجين والصحفيين ؟؟

احسبوا معي الجهود المبذولة في 1627 قضية ضبط واحباط تهريب مخدرات خلال خمسة أشهر قام بها 2440 تاجرا وموزّعا ومتعاطيا ... تختلف طريقة البحث والاستقصاء الجرمي لضبط المخدرات عن ملاحقة اللصوص العاديين والقتلة الذي يكتشفهم المختبر الجنائي من عقب سيجارة أو خيط ملابس أو اثر حذاء أو بصمة اصبع أو طبعة اطار سيارة في مكان الجريمة ... ضبط المخدرات على الحدود من أهون الشرور على الأمن العام ... اما البحث عنها داخل المملكة فيحتاج الى سهر الليالي من طواقم خبيرة نتندّر باحصاء ساعات عملها اذا أخذنا بعين الاعتبار خمسة رجال مكافحة لكل قضيّة فهذا يعني ثمانية الاف رجل عملوا أكثر من ربع مليون ساعة خلال خمسة اشهر ... هل نسينا السيارات ومكافآت المخبرين وساعات الاقناع بالذهاب الى مركز معالجة الادمان تجنبا ً للعقوبة وسعيا ً للتخلص من الادمان ؟؟؟... ماذا عن الخطر على حياة رجل المكافحة ؟؟؟ المهرب خبير بالقوانين ويعرف أنه سيسجن سنوات كثيرة تصل الى خمس عشرة سنة في حدها الأقصى ولهذا يقاوم بالسلاح ... لا يهمه أن يقتل شرطيا ً أو ضابطا ً في بيته زوجة وأطفال ... المهم أن يفلت من الجريمة . ثم أن المخدرات ثروة لمن يشتريها ويروّجها غير آبه بتسميم الشباب والصبايا الذين فتحوا عيونهم على الدراما الأمريكية في التلفزيون وهي تتعاطف أحيانا ً مع التجّار والمتعاطين وتقدمهم أبطالا ً وضحايا لعنف الشرطة في بلادهم ...

في مقبرة قريتنا غريسا رفاة الرقيب الشاب عمر مفلح الزيود الذي استشهد في قضية ضبط مخدرات ... كان يافعا ً مثل الورد ... كان في رأس والده مفلح الخلف مشروع بيت وزوجة وأحفاد يملؤون ساعات فراغه بالحياة المتجددّة ... جاء الفريق حسين هزاع المجالي لتشييعه معنا الى مثواه الأخير ... لم يحدثنا عن الارقام المرعبة لمكافحة المخدرات في ذلك العام.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور