الذين يدعون الى مقاطعة الانتخابات النيابيّة القادمة، يسعون الى تفريغ المؤسسة التشريعيّة من مضمونها وهم غير واثقين من قواعدهم الانتخابيّة لتوصلهم الى البرلمان القادم بصوت أو صوتين أو ثلاثة أو حتى أكثر، لو كان للحزبيين أو نشطاء الحراك الشعبي خلال عامين من الربيع العربي أية قاعدة شعبية مؤثرة على أرضها وليست متنقلة حسب التساهيل ووسائل المواصلات، وكانوا واثقين أن هذه القاعدة الشعبية قادرة على افراز نائب من الناشطين في الحراك أو الحزبيين المنتظمين، لما سمعنا كل هذه الجعجعة التي تدعو الى مقاطعة الانتخابات النيابية تسجيلا واقتراعا.

ترى.. هل غسلت الأحزاب والحراكات يديها من جماهيرها لتعمل على الطريقة الأردنية القديمة (قابل الصياح بصياح تسلم)، أي الصراخ بالاحتجاج لعله يدفع الى تغيير القانون بينما القطار على وشك الوقوف في المحطة الاخيرة، هناك تغييب حزبي مقصود لهموم الناس اليومية وهي ليست اقل شأنا من الصراخ الموسمي الذي ينعي سرقة المال العام وضياع ما تبقى من ارض فلسطين، فحينما تقفل الشوارع والطرق باطارات الكاوتشوك احتجاجا على شح الماء وهو عصب الحياة، لا ينسب التقصير الى موظفي الحكومة فقط، بل الى النواب ورجال الأحزاب الذين سوّدوا الاف الصفحات بالتنظير السياسي والاحتجاج على عدد الأصوات المقررة للناخب ولم تتعدَّ أصواتهم صالات المدن الرئيسيّة بينما السواد الأعظم من الفقراء والجياع والمحرومين في الأرياف والبوادي والمخيمات يعانون من البطالة وشح الخدمات والتهميش على حساب المدن الكبرى التي تعج بالأقدام المتزاحمة على الرزق، وتنعم بكل الخدمات من فئة الدرجة الأولى. حتى الان لم يتصدَّ أي حزب سواء كان ذا قاعدة عريضة أو تضاءل أعضاؤه الى حمولة بكب وهو على الورق بحجم رجال الماو ماو زمن توفيق أبو الهدى. لم يتصدَّ لمرض الرسوب الدائم في ثانويات الأغوار الجنوبية، ولا للعنف الجامعي الذي ذكَّرنا بخنجر مطوي قرن الغزال الذي وزعه أنور السادات على الحركة الاسلاميّة في الجامعات المصرية لقتال الاشتراكيين من بقايا جمهوريّة عبدالناصر.

نواب البرلمان الحالي لم يحركوا ساكنا، تركوا الأمر للحرس الجامعي والدرك يحل العنف بالعنف، حتى الان لم نجد في خطاب المعارضة حديثا عن الطرق الجرباء بين القرى والمدن ولا وسائل المواصلات التي يختار سواقي حافلاتها رحلتهم حسب امتلاء الباص بالركاب تاركين طلبة الجامعة ونساء يحملن أطفالهن المرضى ينتظرون الساعات على قارعة الطريق، حتى الان لم نجد في خطاب المعارضة داخل البرلمان وخارجه دراسة للعنف الموجه للأطباء من قبل مرافقي المرضى وذويهم، هل نسينا البطالة؟ كم دراسة مسؤولة بنتائج واقعية أنجزتها الأحزاب لمكافحة ثقافة العيب في سوق العمل، لم تشرح لنا أن يومية العامل الوافد تصل الى خمسة عشر دينارا في صبّة باطون أو حفر اساس منزل أو تعشيب شكارة بندورة، بينما شبابنا ينتظرون الوظيفة بمكتب وكرسي. هناك اسباب كثيرة تجعلني أمارس حقي في الانتخاب من أجل التغيير ومن أجل السواد الأعظم من الناس الصامتين يئنون تحت مستوى خط الفقر ويخجلون من ذل المسألة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور