من الصعب قياس الحالة عبر قرن من الزمن ومن الظلم المفاضلة بين اللصوص والفاسدين قبل مائة عام . وليكن الأمر خلال حكم الاتحاد والترقي في الدولة العثمانية وبعد ثورة جبل العرب وثورة الكرك وبين اللصوص والفاسدين في زمننا هذا ... ولكن الشبه مع تغير الوسائل يدعو الى الريبة في مجتمع ينهض مرّة ويكبو مرات ... في ذلك الزمن كان افضل الرجال واكبرهم بعيون الناس هو اللص الذي يسرق بالقوّة ... يقطع الطريق على المسافرين والسابلة ... يختار الضحايا الضعيفة للسطو على أرزاق ابنائها من ماشيّة . ويغدو مع مرور الزمن مفخرة لقبيلته التي تخلعه وتتبرأ منه في العلن وتمد خيوط التواصل معه في السر . ففائدته اكبر بكثير من ضرره . البطل الاخر في مجتمع ذلك الزمن هو اقدر الناس على شراء موظفي الولاية ابتداء من جابي الضرائب وسرّ عسكر التجنيد وانتهاءً بالوالي ... لكل منهم ثمن لا بد من دفعه وتعتمد الدفعة على المكاسب التي يجنيها البطل من الرشوة ... تتراوح الأرباح بين الافلات من ضريبة الدخل وبين تملك قطعة أرض بحجم قريتين وأهمها الالتزام بجمع الضربة من الناس وتوريدها الى صندوق الولاية ففيها ربح مضاعف اذا عرفنا ان الملتزم يأخذ من الفلاح مجيدي واحد . يعطي الولاية نصفه ويحتفظ بالنصف الاخر في جيبه . فهو سيستوفي مبلغ الرشوة التي دفعها للوالي أولا ً ثم يبدأ جني الأرباح .
على أطراف القرن الواحد والعشرين جنّد الأبطال من اللصوص والفاسدين حملة اعلاميّة يعجز عن أداء عملها اشهر فحول الشعراء والرواة قبل قرن وهو إعلام ذلك الزمن ... التزم الشاعر بالمطلع ( المشهد ) ثم الرسول ووسيلة سفره ولم يتعد مدحه للبطل اللص وصف الأغنام والإبل السمينة التي يذبحها لضيوفه والقهوة التي لا تنتهي من ديوانه على مدار الأربعة وعشرين ساعة . ثم وصف بطولة زائفة له في معركة قبليّة ... تمتع اللصوص والفاسدون على اطراف القرن الواحد والعشرين بمطابخ العلاقات العامة التي تجعل المطّلع العاقل يضرب اخماسا ً بأسداس وهو يرى وسائل تجميل بشاعة الجريمة وبناء شرنقة ناصعة البياض حول اللص الفاسد ليتغير لون الخنفساء من الأسود الى ألوان يعجز الكمبيوتر عن مزجها وتصبح الاية الكريمة ( يا أيها الذين امنوا اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) شعاركل حديث عن رجل كافح في الدراسة حتى تخرج في الجامعة وبعد خمسة أعوام كانت ثروته اثني عشر مليون دينار ... ورجل بدأ الوظيفة من أولى درجات السلم وناضل حتى اصبحت ثروته قبل التقاعد خمسة ملايين دينار .
قبل قرن من الزمن ادى احتكار الثروة من قبل اللصوص الكبار الى تفريخ لصوص صغار يفخرون بنهب جمل أو بقرة أو بضعة شياه وينجون بفعلتهم طالما أن الأمن معتكف داخل القلاع والحصون لا يخرج من أبوابها الا لأمر جلل ... على اطراف القرن الواحد والعشرين ... اكتشف صغار اللصوص أنهم قادرون على نتش ما تيسّر من مال أمام سمع وبصر الشرطة والمدعي العام وحتى المتصرف المسلح بقانون منع الجرائم الذي يتيح له تحديد إقامة أو سجن أي شخص لمدة تكفي لكف شرّه عن خلق الله ... على سبيل المثال وليس الحصر خاوة يومية أو اسبوعيّة من اصحاب المتاجر والبسطات فالشرطة لا يمكن أن تضع شرطيا ً أمام كل متجر طوال فترة فتحه وعمله .
بعد حوادث ( ارم حالك قدام سيارتها وأنا بخليها تدفع ميتين دينار ) اتجه صغار اللصوص لافتعال حوادث سير مفبركة لتحصيل التعويض من شركات التأمين . حينما اكتشف موظف التأمين الأمر ورفض تسهيل الدفع تعرض للضرب من قبل المحتال ... أغرب ما في الأمر أن شركة التأمين استنجدت بأخواتها بدلا ً من الشرطة والقضاء ... وما يزيد الأمر غرابة أن شركات التأمين ومكتبها للتأمين الالزامي الموحّد قد تضامنت مع زميلها المضروب موظفها وقررت تعليق أعمالها لمدة يومين . وهي سابقة ذكرتنا بتوقف الأطباء والممرضين عن العمل احتجاجا ً على الاعتداءات التي يتعرضون لها من ذوي المرضى ... ترى ألهذا الحد ضعفت ثقتنا بسلطة الدولة وهيبتها ؟
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور