لم يكن مرزوق أنشط شباب قريته فقط . بل كان من أفضل المحاورين في المؤسسة قبل شاي الصباح وبعد صحون الفول والحمص التي تحتل المكاتب في ذروة تجمهر المراجعين ... وهو صاحب فكرة حشر المقسم في الزاوية لإيجاد مكان لطاولة الإفطار بعيداً عن عيون الجمهور أو أحد المسؤولين المتوقع زيارتهم للقاعة بين حين واخر ... وهو من قسّم الدور بين الموظفين لولوج قاعة المطعم ( كما سمّاه ) وبين تصريف شؤون المراجعين ... بعد طول تفحص لحراك الربيع العربي استساغ مرزوق لعبة ما بعد صلاة الجمعة ( كما يصفها لزملائه خلال شاي الصباح ) .

حاول تصدّر مسيرة منظمة ولكن المشاركين وضعوه مع غيره في المكان الصحيح ... قرر صناعة اعتصامه الخاص . تقدم مسيرة احتجاج صباحيّة نددت بتقنين إسالة الماء الى بيوت القرية ... رفع صوته بوجه قائد سرية الدرك التي جاءت لتحرير الباص الذي ينقل الطلاب الى المدارس والجامعة والعمال والموظفين الى أماكن عملهم ... وسيدات مسّنات يراجعن الطبيب بسبب هشاشة العظام .. وشابة ستذهب مع والدتها لشراء ملابس عرسها ... حاول الضابط اقناع مرزوق بأن صوت المحتجين وصل ولا لزوم للاستمرار بحجز باص أبو صايل وهو قريبه ... أفلتت من فم مرزوق شتيمه كبيره لم تكتمل ... قطعها كف خماسي من يد العريف نايف ثم شلوتان من بصطار الرقيب ناصر ولحسن حظ مرزوق أن البصاطير من الكتان والكاوتشوك الناعم . أين منها تلك المسلحة بمسمار أبو طبعة التي كان يلبسها أجداده من مخلفات الجيش البريطاني في الخمسينات .

في الأيام التالية وفي اعتصام ازالة البسطات من الشارع ... تصدر مرزوق المظاهرة وحينما ظهر رجال الدرك تراجع الى الصف الثاني بحجة أن صوته انبّح ثم أن اصحاب البسطات التي تحتل أرصفة الشارع أولى بتصدّر الاحتجاج وعرض قضيتهم ... نصحه أصدقاؤه أن يمارس مهنته الجديدة بعيدا ً عن الأقارب والمعارف الذين شهدوا واقعة الكف والشلوتين ... في أول اعتصام لشباب ضد البطالة جرى اخراج مرزوق من المسيرة بعنف ... أخبروه أن ما يفغر به من هلوسات لا تليق بمسيرتهم السلميّة ... عاد الى العمل ليجد الانذار الثالث من المدير بسبب تغيبه المستمر عن مكتبه ... أخبره عزيز أنهم لم يتناولوا افطارا ً منظما ً في غيابه ... في اليوم التالي جمع مرزوق حمولة بكب من العاطلين عن العمل وبعض الأقارب ومحصّلي الخاوات ... احتاط على اربعة اطارات مهترئة ونصف جركن كاز ... أغلقت ساحة الدائرة وهرب المراجعون الى الداخل والخارج بعد احراق الاطارات ... قبل وصول الدرك بحث مرزوق عن سيارة المدير لتحطيمها نكاية بالانذار فلم يجدها ... كان المدير في اجتماع بالوزارة ... بعض أصدقاء مرزوق اعلنوا أن اعتقاله وتقديمه للمحاكمة قمعاً للحرية واعتداء على الحقوق التي كفلها الدستور له .. هكذا اوصاهم مرزوق وهو يغادر قاعة المحكمة الى سيارة نقل المساجين .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور