حينما فتحت حدائق الملك عبدالله أمام الجمهور كانت هناك مساحات للجلوس والتجوال في ظل الاشجارالتي زرعها مالك الأرض الأصلي وأغلبها من الزيتون ... كانت الحدائق مزاراً للقادمين من مدن البلقاء والشمال للاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع ... كنّا نتحزّر هوية الزوّار من المدارق المطرزة وشماغ على الرأس ... “هذولا شمالات من جرش وغاد” ... وفيهم بني حسن وبني حميده والسلط ومأدبا ... ثم مدارق الحفر التي يستر الساعد فيها اردان قميص احمر او ازرق ... ونبدأ نتحزّر .. عدوان .. عجارمه .. لا لا كركيّه ... علي الطرباش انهم طفايله ... وذات حين انبهرنا باللباس الشعبي لشركسيّة كانت قد جاءت من حفل فيه دبكة فرسان القوقاز قبل الثورة البلشفيّة ... ثم تكحلت عيوننا بفتاة توشحت بتطريز مبهر على ثوب عرفناه فورا انه من رام الله ... وخليليّة عضت بأسنانها على طرف خمارها الابيض تجاكر شاعر العراق الذي اشاد بالمليحة في الخمار الأسود ... ولم يخل المشهد من عبّادية بمدرقة مطرزة بأزهار العارضة ترافق زوجها ببدلة وربطة عنق فرنسيّة .
هكذا كانت حدائق الملك عبد الله في البدايات ... ربابة درزية وربابة حويطية ودبكة معانية يتصدرها ابو خالد الذي يتحدى بسمنته جميع نحفاء المملكة ... كان يرغول ابي العبد الطموني ( نسبة الى طمون جنين ) يصدح مع صوت البدّاع على المدرج ... يا حنيّنا يا حنيّنا ... زهر البنفسج يا ربيع بلادنا ... شعرك عذّب الجدّال اذا مال ... ذات حين هبط على المدرج رجل نحيف بقميص وبنطلون ... عزف على عوده لحناً ليبيًا لا تخطئه الأذن ... يا كدابة يا ام العيون السود يا كدابه ... وعدتينا نهار السوق ... لقينا حوشك مسكّر بابه ... ويا ام العيون السود يا كدابه ... انفلتت شابة متمردة للرقص على وقع الأغنية ... تبعتها المدارق والفساتين والشماغات وبنطلونات الجينز ... وعباءات من الخليج والجزيرة والعراق ... لم يجرؤ رجل واحد على دخول حلبة الرقص ... شوهد شيخ ملتحٍ يهز رأسه طرباً وتمنى ابو شلاش لو أن مسدسه معه لخالف قانون منع اطلاق النار في الافراح لتحية أم العيون السود الكدابه التي وعدت حبيبها باللقاء ثم اغلقت باب الحوش .
في الشهور التالية ظهرت أبنية جديدة في حدائق الملك عبد الله ... أسوأها مطاعم يعترضنا العاملون فيها ... تفضلوا يا فندم ... عندنا أكل بتاكل صوابعك من وراه ... ثم مكاتب تأجير السيارات السياحيّة ومكاتب للسياحة ودكاكين تبيع كل شيء بأسعار ضعف أسعار السوق ... وتحولت الحدائق الى جورعة . المحظوظ من يجمع السنابل قبل الآخرين ... قلعوا الأشجار للأبنية وتزفيت الشوارع واصبحت الحدائق سوقا مسخا لسوق الجورة المسمى سوق الحراميّة ...
بعد كل هذا أفاقت امانة عمان الكبرى من غفوتها وقررت محاولة اعادة الحدائق الى ما كانت عليه ... وأن تأتي متأخرا افضل من أن لا تأتي أبدا ً .. وأشيع أن أمين عمان الكبرى رمى بالكوفيّة والعقال على ارض مكتبه برأس العين وصرخ بالموظفين ... ملعون أبو الواسطات ... وملعون ابو اللي ما يموت من خاطره ... رجعوا الحدائق مثل ما كانت بالأول ... لم يفهم موظفو الديجيتال معنى الحركة وانتبهوا للمراسل “أبو مرزوق” يردد ... كفو يا بيك كفو ... وكانوا قد نسوا حادثة ضرب الكوفية بالمكتب ... شو معنى كفو يا ابو مرزوء ... ؟؟؟ استرسل الرجل بالشرح وضرب الأمثلة فأجابوه ... آه يعني على راسي ... أحلى كلام من أحلى أمين والله ... غادر ابو مرزوق بصينية القهوة وهو يردد ... على روسكم الجلة ان شاء الله ... عندما فهم الديجيتال من والده معنى كلام ابو مرزوق ... قرر معاقبته بحسم راتب اسبوع بعد أن استدعاه الى المكتب وسأله ... ولاه ابو مرزوق ... أنا على راسي زبل بئر ( بقر ) ؟؟؟ غور امشِ .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور