قبل أن نسمع بصلاة الاستسقاء من أستاذ الدين والعربي . كان لقريتنا طقسها الخاص لهذه الحالة ... في الكوانين الأول والثاني . حينما نكتشف أن ذنب ايلول المبلول بقي جافاً خلال تشرين الأول والثاني بعد حراثة الأرض عفير وقد استمرت عيون الكبار بمطالعة السماء بحثا ً عن غيمة ولو بيضاء غير ممطرة مع اللازمة التي ترافق الأنين ... يا الله رحمتك ... يا الله غيثك .
في ليلة مقمرة تجتمع الصبايا مثل تنظيم سري نائم تلقى الأمر بالحركة ... يتجمعن أمام أحد البيوت وقد تدثرت كل واحدة منهن بعباءة لاتقاء المطر الذي سيأتي ... يبدأن اللازمة التي حفظنها ظهراً عن قلب ... يا الله غيثك يا ربي تروي زرعنا الغربي ... يتجولن في أزقة القرية يتلقين رشات الملح والرز والماء من كل بيت مع دعوات الكهول والعجائز ... راحت أم الغيث تجيب رعود ... أجت ولاّ الزرع طول البارود ... أحيانا ً كثيرة وقبل ان تنتهي مسيرة الغيّاثات نشاهد لامع البرق فوق الجليل وجبل الشيخ .
يسهر البعض حتى الصباح ليبشر أن الشمس أختفت خلف الغيوم ... يصرخ احدهم من فوق سطح البيت .... روحت ... روحت غيمها مثل الليل الدامس ... أحيانا ً كثيرة كانت تمطر ... وأحيانا ً كان فلاحنا يزفر ... العوض بوجه الكريم من هالموسم ... وبعد طول انتظار تمطر .. ثم برد بحجم حبة الحمص وأحياناً بحجم حبة الكرز يعقبه ثلج وصفه أحدهم أن السماء ترميه مثل الرغفان يقصد الأرغفة للمبالغة في الوصف ردّد الكبار أكثر من مرة ... يا هلا يا ضيف الرحمن ... حتى الان نحاول أن نتذكر كيف مرّت الثلجة التي اصبح زمنها تاريخاً عند بعضهم ... ففلان ولد سنة الثلجة ... وفلانة تزوجت بعد الثلجة ... ونحن لا نملك من وسائل التدفئة الاّ أعواد حطب ومنقل نار محفور داخل الغرفة أو الشق ومسوّر بالحجارة الصغيرة .
كانت الفروة ترفا ً للكبار ... أحيانا ً نستمتع بدفئها حينما نلتصق بأحدهم ويضفي أحد جنايبها علينا ... قلنا جنايبها ونحن نتذكر أهزوجتهم ... يا لابس الجبّة وارخي جنايبها ... تذكرنا تحسّرهم على الايام الجميلة وهم يرددون ... يا سقا الله هذاك اليوم ... كبرنا حتى حفظنا رائحة ابن زيدون ... جادك الغيث اذا الغيث همى ... يا زمان الوصل في الأندلس ... فيما بعد وجدنا الشاعر خلف الأذن والشعلان يتذكر جميلته حينما شاهد البرق فوق جبال حوران كما شاهدناه نحن فوق جبال الجليل ... عزّيت يا مزن فوق حوران ... اللي على ميثا تلاعج بروقه ... بستان أبوها بس خوخ ورمان ... جوا ضميري شابكات عروقه ...
منذ أن اعلن الراصد الجوّي عن مرتفع فوق أوروبا سيدفع المنخفض نحونا ... ونحن نترقب تلك الغيوم الداكنة التي وصفها اجدادنا بلون الليل الدامس ... وأخيرا ً وصلت فيا مرحباً يا هبة الرحمن ورحمته .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور