جاءت تصريحات جلالة الملك التاريخية لوكالة الأنباء الاردنية "بترا" الاسبوع الماضي ، لتضع النقاط علي الحروف في كثير من القضايا ، التي شغلت الرأي العام الاردني لفترة طويلة. ومن أهم المحاور التي تطرق اليها جلالة الملك ، محور الصحافة والاعلام ، حيث انتقد جلالته جانباً من أداء بعض الصحفيين ، وعدم قدرتهم على تمييز الخبر الصادق الذي يخدم المصلحة العامة ، من الاشاعة التي تضر الصالح العام ، وهذا حق للملك يعطيه إياه الدستور ، في تقويم أي خلل يراه في أي محور من محاور النسيج الوطني ، ثم جاءت المبادرة الملكية امس ، في دعم صندوق تدريب الصحفيين ، لترسخ بشكل كامل الاهتمام الملكي في الصحافة ، حيث عود جلالته أبناءه على اقتران القول بالعمل.
والحقيقة ان موضوع التدريب الصحفي ، طال الحديث عنه منذ سنوات طويلة ، ومفهوم التدريب لا ينحصر بصورته الضيقة بكيفية كتابة الخبر وصياغته فقط ، بل بكيفية الحصول على الخبر ، والتفريق بين الخبر الصحيح المجرد والمدسوس ، وهذا يتطلب اموراً كثيرة ، اهمها التدريب الاستقصائي وتمحيص المصدر ونبش دوافعه من تسريب الخبر او اخفائه.
الحصول على السبق الصحفي ، ليس هو الأهم كما رسخ عند الكثيرين ، ولكن الأهم من ذلك نوعية هذا السبق ومحاولة وضعه على ميزان الأمن الوطني ، وتقرير المصلحة العامة في النشر من عدمه. ربما يحصل احد الزملاء على خبر صحفي مدوْ ، ولكن نشر هذا الخبر في توقيت ما ربما يضر المصلحة العامة ، وهنا يأتي دور الثقافة الوطنية لدى الصحفي.. هل يقدم موضوع السبق الصحفي وما يحققه من شهره سريعة له؟ أم يقدم المصلحة العامة على كل الاولويات؟
اننا اذا اردنا أن نمضي في موضوع تدريب الصحفي ، فيجب أن نبدأ من نقطة الصفر فالمدخلات الايجابية الناجحة ، هي التي تؤدي الى مخرجات ناجحة ، وباعتقادي أن العبء الاول يقع على كليات الصحافة والاعلام ، وعلى رأسها كلية الصحافة في جامعة اليرموك ، التي تعتبر المضخة الرئيسية للصحفيين الى سوق العمل ، حيث يجب على هذه الكلية ، أن تضع شروطاً مدروسة بكل عناية لاختيار طالب الصحافة ، ويجب أن تتوفر في هذا الطالب كل الشروط التي تؤهله لأن يصبح صحفياً في المستقبل ، ولكن للأسف فان القبول في هذه الكلية يأتي بطريقة بائسة ، حسب المعدل في الثانوية العامة ، أي أن الذي لا يؤهله معدله للقبول في كلية الاقتصاد مثلاً ، يفرز الى كلية الصحافة ، بغض النظر عن امكانياته وميوله ، كذلك على القائمين على هذه الكلية ، اعادة النظر في المناهج الدراسية ، على مدار اربع سنوات.
وهنا اتحدث عن تجربة ذاتية ، حيث أننا منذ اكثر من عشرين عاماً ، عندما تخرجنا من قسم الصحافة والاعلام في جامعة اليرموك ، اكتشفنا ان جميع المساقات التي درسناها على مدار اربع سنوات ، ليست لها علاقة بالواقع المهني ، اذ كانت عبارة عن حشو معلومات ، لا تسمن ولا تغني من جوع ، اللهم الا تلك المبادرات الشخصية ، في الانخراط بالعمل في جريدة "صحافة اليرموك" ، فيجب أن تكون معظم مناهج الصحافة في الكليات ، عملية بعيدة عن التنظير والحشو.
اننا اذا فهمنا كيفية اختيار طالب الصحافة منذ البداية ، فان المهمة ستكون أسهل في تدريبه ، عند دخوله الميدان الفعلي للعمل الصحفي ، كذلك هناك مسؤولية كبيرة تقع اليوم على عاتق نقابة الصحفيين ، حيث عليها أن تبدأ خطوات عملية فورية ، في اتجاه اعادة تدريب وتأهيل الصحفيين ، من خلال انشاء معهد تدريب متطور ، يصقل قدرات الصحفي.
لقد بات التدريب حديث الوسط الصحفي ، ولا بد من السير بخطوات هامة نحو الهدف المطلوب ، والواقع ان ما يتسبب أحياناً في بروز بعض التجاوزات في الأداء الصحفي ، لا يتحمل مسؤوليته فقط الصحفيون ، ولكن المسؤول الذي يحجب المعلومة ، هو الذي يجعل الصحفي يتخبط أحياناً في التحليل.
إن عقدة اغلاق الأبواب من قبل الكثير من المسؤولين ، كباراً كانوا أم صغاراً ، يجب أن نتخلص منها ، حتى تستوي المعادلة ، فمن الظلم أن نطالب الصحفي بتحري الدقة والموضوعية في عمله ، وفي نفس الوقت نغلق بوجهه كل الأبواب ، في حين نفتح هذه الأبواب للصحافة الأجنبية، بل على العكس.. نرى بعض الوزراء يلهثون وراء مراسلي وسائل الاعلام الأجنبية ، من أجل اعطائهم خبراً او معلومة ، ويغلقون هواتفهم بوجوه صحفيي البلد، ثم يطالبونهم بالدقة والموضوعية ، في حين يعلن قائد البلاد ان الحرية لا سقف لها. والحصول على المعلومة اولى درجات هذه الحرية.
فهل يرتقي مسؤولونا الى مستوى الخطاب الملكي في التعامل مع الصحافة؟ .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمد حسن التل جريدة الدستور