من الطبيعي، ان تهاجم إسرائيل الأردن، بقيادة جلالة الملك، فجلالته شكّل منذ فترة، ليست بالقصيرة، رأس حربة حادة، في انتقاد سياسة إسرائيل العدوانية، وكشف حقيقة مواقفها، إزاء السلام في المنطقة، ونيتها المشبوهة في هذا الاتجاه، على المستويين العربي والدولي.

والإسرائيليون يدركون جيداً، أن شخصية بحجم جلالة الملك عبدالله الثاني، عندما يقدم على انتقادهم، فإن تأثيره سيكون كبيراً جداً، على المستوى الإقليمي والدولي، والملك عندما يتخذ هذا الموقف، يكون قد وصل إلى نتيجة مفادها، أن هؤلاء القوم، لا يؤمنون أبداً، بالعيش مع الآخر، ولا بالسلام، ولا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وأنهم مصرون، على أن يعيشوا في قلعتهم المعزولة عن العالم، حيث لا يؤمنون بالحوار.

الأردن ليس دولة دُمية، كما يدعي بعض رموز الصهاينة، والشعب الأردني، حاضر في التاريخ والجغرافيا، والأردن تاريخياً، لم يكن يوماً دُمية بيدي أحد، فله مواقفه المستقلة، وهو من يقرر سياسته بنفسه، وليست حرب الخليج الثانية، ببعيدة عن الأذهان، عندما قرر الأردن، أن يتخذ قراره، بما يتلاءم، مع ما يراه مصلحته ومصلحة أمته، وهو اليوم، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، يقرر موقفه من إسرائيل، حسب ما يراه، من سلوك ساسة هذا الكيان، الذين يصرون على العزلة، والتفكير خارج الزمن، وضد مجريات التاريخ، وحتمية إعادة الحق إلى أصحابه. وهم اليوم يتخبطون، أمام الزخم الملكي، في تعرية المواقف الإسرائيلية، أمام العالم، وأثره في كشف حقيقتهم، التي زيفوها، طوال العقود الماضية.

إن ما نزّ به قلم الصهيوني حاييم هاسغاف، في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، عندما "بشّر" بفكرة ما يسمى "الوطن البديل"، وأن الأردن، سيشهد قيام دولة فلسطينية، على أرضه، يؤشر على الفكر الأسود، الذي ليس بجديد علينا، فالأردن مستهدف من قبل هؤلاء، بهذه الفكرة، منذ عقود طويلة، لأنه يمثل السدَّ المنيع، أمام مؤامراتهم وأطماعهم، بالأرض العربية كاملة، فالعرب وأرضهم، بعين الثعلب الصهيوني جميعاً، والاسرائيليون يدركون تماماً، ما معنى أن يقف جلالة الملك، موقفه الشجاع، في الدفاع عن الحق الفلسطيني، في كل المحافل الدولية.

الاردن دولة وشعباً وأرضاً -وكما قلنا- حاضر في التاريخ والجغرافيا، وفلسطين في نظرنا، أرض مغتصبة، وشعب مورست عليه، أبشع عمليات القتل والتشريد، من عصابات اليهود، الذين جاؤوا من أصقاع الأرض، ومن جنسيات مختلفة، ونحن ننظر، كما كل العرب والمسلمين، إلى الكيان الصهيوني، أنه ورم خبيث، في خاصرة الامة، لا بد من اجتثاثه، وإنْ طال انحياز جزء كبير من العالم له، هذا الانحياز، الذي بدأ يتراجع وينحسر، نتيجة العنت والتطرف الإسرائيلي، اللذين باتا بلا حدود.

إذا كان ساسة إسرائيل ومفكروها، ينظرون إلى الأردن، على أنه عبارة عن تجمع قبائل ولاجئين، فإننا ننظر إليهم، على أنهم تجمع لقطَّاع الطرق والقتلة، جاؤونا بمؤامرة دولية، وشكلوا كياناً، كرَّس نفسه، للقتل والاغتصاب والاعتداء، على حقوق الآخر.

نحن في الأردن، أصحاب رسالة وثورة وشرعية تاريخية ودينية، لا تهزنا هذه التـُرَّهات، وتلك الأحقاد.

إن ما نزّ به قلم الصهيوني هاسغاف، يمثل حقيقة العقل اليهودي، الذي لا يعترف بالآخر، ولا يحاوره، إلا بالقتل والغدر، وأن كل ما يدعيه، من حب للسلام، ومحاولة العيش بأمان في محيطه، ما هو إلا كذبة كبرى وتدليس، باتا مكشوفين للعالم، لقد باتت إسرائيل، تمثل خطراً حقيقياً، على السلم العالمي، لأنها تعبث بأمن منطقة، ذات أهمية استراتيجية، في العالم، وأن جنون ساستها -إنْ بقي على حاله- فسيتحمل الجميع في العالم، مسؤولية السكوت عن هذا الجنون. وأنه، كما قال جلالة الملك أمس، في الأمم المتحدة، إذا بقيت المنطقة على هذه الحال، وبقيت الحقوق مغتصبة، وضاعت عملية السلام، فإنَّ البشرية كلها، ستدفع الثمن.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمد حسن التل   جريدة الدستور