بكثير من الهدوء والموضوعية، وقليل من التنظير، الذي يمارسه بعضنا، نحن الصحفيين، او السياسيين، على اطراف التجربة، نستطيع عبور المرحلة الحالية، المتمثلة بتمكين النواب، من المشاركة الفاعلة، في اختيار شخص رئيس الوزراء، من خلال المشاورات الجارية في قصر بسمان.
لا شك، أنها تجربة جديدة، ليس فقط على النواب، بل على المجتمع الأردني بأكمله، بمختلف فعالياته، وحتى على القصر نفسه. وهي بلا شك، مهمة صعبة وأمانة ثقيلة، بين يدي النواب، الذين يجدون أنفسهم اليوم، وجهاً لوجه، مع مبدأ المشاركة الحقيقية، على ارض الواقع، في اختيار رأس السلطة التنفيذية، وهذه العملية برمتها، شهادة للملك، بأنه أكثر الأطراف جدية، بالمضي على طريق الإصلاح الكامل، حيث أن الدستور، يمنحه وحده الحق، حسب المادة 35 باختيار رئيس الوزراء، لكنه من باب الدفع بالأردن نحو التغيير، جاء قراره بإشراك النواب، في هذه المهمة الوطنية.
التجربة جديدة، وهي نتاج حالة عصف ديمقراطي، يمر بها الأردن منذ عامين، سواء على المستوى التشريعي، أو التنفيذي، الذي تمثل، في إجراء انتخابات نيابية، لأول مرة، تحت ولاية هيئة مستقلة، تمتلك كافة الصلاحيات، وحيادية مطلقة من قبل الحكومة.
لا بد من إفساح المجال، أمام القصر والنواب، لاتمام المشاورات، دون ضجيج أو تنظير، من أي أطراف أخرى، كما ذكرنا، لتمكين الطرفين، من الاختيار السليم، الذي سيكون بداية تاريخية، لتفعيل مبدأ الحكومات البرلمانية في الأردن.
نعلم أن التجربة جديدة، وهي في بداياتها، وأنها ما زالت تتلمس طريقها، ولكن، أن نبدأ، خير من أن لا نبدأ، والقليل أفضل من العدم، فالأردن يسير بخطى ثابتة، نحو التغيير، عبر مراحل مدروسة وواضحة الملامح، للوصول إلى حالة ديمقراطية راسخة، ترسم أطراً ثابتة، لوجه الأردن الجديد، وسط تغير فعلي، طرأ على ذهنية الإنسان الأردني، متأثراً بما جرى، ويجري حوله، في الوطن العربي والعالم. فالإنسان الأردني، لم يعد يمر على الأمور والقضايا، دون التوقف عندها وتحليل مضامينها، واتخاذ موقف منها، ومن المستحيل، ان يعود الى الوراء، وهذا يرتب على السلطات، بمختلف أنواعها، مجاراة هذا التغيير، في الذهنية الأردنية، بتغيير أدواتها وأساليب تفكيرها، إزاء القضايا العامة، مهما كبرت أو صغرت.
بالعودة الى مهمة النواب الجديدة، المتمثلة بالمشاركة باختيار رئيس الوزراء، نجد من الواجب الوطني، على الجميع، العمل على انجاح هذه التجربة الوليدة، حتى نبني عليها تجارب، اكثر عمقا، وصولا الى الهدف الكبير، المتمثل بالحكومات البرلمانية الكاملة.. قاعدتها احزاب، تحوز على اغلبية برلمانية، من خلال صناديق الاقتراع، إذ بدون حياة حزبية حقيقية وجادة ومقنعة للقواعد الشعبية، تظل كل تجاربنا تتعثر، امام المصالح الفردية والفئوية الضيقة.
تأتي الخطوة السياسية من معظم النواب، بالتركيز على البرنامج السياسي والاقتصادي للرئيس القادم، اكثر من التركيز على الاسماء، خطوة حضارية متقدمة، حيث التركيز على البرنامج، أكثر من الشخص، يسبغ على الأمور موضوعية مطلقة، بعيداً عن الحسابات الشخصية، التي بلا شك، ستؤثر على التجربة، بواقعها الحالي، إذ أن موضوع التسمية، ربما يكون سابقا لأوانه الان، في حالة الأردن، حيث من الواقعية، أن هذه الخطوة، تأتي وتتم ممارستها، بعد أن تكون الحياة النيابية لدينا، قد استكملت كافة جوانبها، متكئة على حياة حزبية راسخة، ذات قواعد شعبية واسعة، تكون فيها الأغلبية النيابية، حقيقة واقعة، تحت القبة.
علينا أن نترك المهمة لأصحابها، حتى يخرجوا بالنتيجة، التي نرضاها، أو تحقق مساحة كبيرة من التوافق، علينا أن نخفف من «قعقعة» الأفكار التي نتطوع بها لطرفي التجربة، حيث نكاد نصبح جميعا خبراء في الدستور ومبدأ الحكومات النيابية
| |
من المهم إعطاء التجربة، الفرصة الكاملة، كي تنمو وتؤسس لحياة ديمقراطية حقيقية، ومشاركة فاعلة من الجميع، في رسم المستقبل الوطني.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمد حسن التل جريدة الدستور
|