آلبير كامي..والأدب:
 -آلبير كامي- من الكتاب الجزائريين من أصل فرنسي.ولد بالجزائر ودرس بها حتى تخرج من جامعتها ليلتحق بالصحافة ويعمل بها.أبدع أجمل أعماله بهذا البلد الذي ظل يعتبره بلده الأجمل والأكثر بهاء لكنه جزء من الإمبراطورية الفرنسية .
 كتب-كامي-عددا من الأعمال الأدبية التي صنعت تاريخه ككاتب وكمفكر من خلال فكرتي الحرية و العبث اللتين برع في التعبير عنهما.
 العبث إذن وفراغ الحياة واللاجدوى من العالم واللامبالاة حياله هي كل ما ميز كتابات –كامي- الروائية والمسرحية منها.
 ترك–كامي- الكثير من الأعمال الروائية أهمها:
 -L’étranger الغريب عام 1943.
 -La peste الطاعون عام 1947.
 -L’exil et le royaume المنفى والمملكة عام1957.
 -Noces أعراس.
 -Caligula كاليغولا.
La chute- السقوط.
L’été- الصيف.
Le malentendu- سوء تفاهم.
La mort heureuse- الموت السعيد.
Le mythe de Sisyphe- أسطورة سيزيف.
L’homme révolté- الرجل المتمرد.
Lettres à un ami allemand- رسائل إلى صديق ألماني ،وغيرها من الأعمال.
النص الروائي الغريب:
 صدرت رواية – L’étranger –أو –الغريب-كما ترجمت عام 1943.وشدت إليها النقاد والباحثين انطلاقا من الموضوع الذي طرحته.
 رواية-الغريب-، أشهر ما كتب-كامي-..رواية تحمل الكثير من المعاني رغم افتقادها للعواطف بحسب الدارسين لها.
 تقع الرواية في جزئين.يحوي الجزء الأول ستة فصول ويحوي الجزء الثاني خمسة فصول. وتقوم الرواية على شخصية محورية ممثلة في البطل الذي يروي أحداثها-ميرسوMeursault - .شاب في الثلاثينات من العمر لا أحد له إلا والدته.
 تبدأ الرواية من النهاية، من لحظة الموت ،موت والدة –ميرسو-،فيقول –ميرسو-:"ماتت أمي اليوم.وربما أمس لا أدري.لقد تلقيت من الملجأ الذي تقيم فيه برقية هذا نصها:أمكم توفيت.الدفن غدا.أخلص تعازينا.ولم أستطع أن أفهم شيئا..ربما قد تكون توفيت أمس"1.ومن هنا تبدأ أحداث رواية الأحاسيس الجامدة كما وصفها جل الدارسين.وبهذا الخبر المفاجئ الذي يتلقاه-ميرسو- من الملجأ حيث كان قد وضع والدته لأنه لم يكن يمتلك لا الوقت ولا المال للاهتمام بها. وهكذا يشرع –ميرسو-في رواية الأحداث التي بدأت بتفكيره في أن يستقل صباحا الأتوبيس إلى –مارينجو-حيث هو الملجأ.و-مارينجو- بلدة قرب الجزائر العاصمة يستغرق الوصول إليها بالحافلة قرابة الساعتين.وإذا كان من المفروض أن والدته قد توفيت فإنه لم يشعر بأي نوع من الحزن ، بل لا يظهر عليه حتى التأثر لهذا الموت المفاجئ إذ يتوقف في الطريق ليتناول طعامه كما هي عادته كلما زار والدته في الملجأ"ركبت الأتوبيس في الثانية وكان الجو حارا شديد القيظ.وكنت قد تناولت الطعام عند سيلست كما هي العادة.وكان جميع من في المطعم متألمين لمصابي...وكنت مذهولا بعض الشيء لأنه كان ينبغي أن اذهب إلى عمانويل لأستعير منه رباط عنق أسود وشارة للحداد أضعها فوق ذراعي "2.فهو لم يشعر بأهمية لما أصابه حتى أنه نام طيلة الطريق إلى –مارينجو-.وحين وصوله تحدث مع المدير ثم يتذكر أنه طيلة السنة الماضية لم يزر والدته ولا لمرة واحدة"وربما كان هذا هو السبب في أني لم أذهب لزيارتها في خلال العام الأخير ولو مرة.وهناك سبب آخر، هو أن هذا كان سيضيع مني يوم الأحد بالإضافة إلى الجهد الذي أبذله في السفر بالأتوبيس وشراء تذكرتين وساعتان تضيعان في الطريق"3. ولهذه الأسباب يذكر –ميرسو-أنه لم يفكر في زيارة أمه.
 انه مفتون بوصف المناظر الجميلة من طبيعة وبيوت وهواء والتي تحف بها مارينجو وكأنه لا يحمل أمه في التابوت .وتنتهي مغامرته بدفن أمه وعودته إلى العاصمة دون أن يظهر لنا حزنه أو ألمه"كما أذكر ابتهاجي حينما عاد بي الأتوبيس إلى مدينة الجزائر حيث استقبلتني أنوارها الساطعة وقد استحوذت علي حينئذ فكرة واحدة:هي أن أذهب لأنام اثنتي عشرة ساعة"4.
 وهكذا عاد –ميرسو-إلى ممارسة حياته اليومية وكأن شيئا لم يحدث.عاد ليستأنف ما كان يقوم به قبل موت والدته.فقد استيقظ صباحا بعد دفنه لأمه بالأمس ليذهب إلى الشاطئ ويسبح ويداعب الفتاة التي كان معجبا بها"...وبينما أنا أحاول أن أفعل ذلك إذ لمست يدي نهدي ماري وكنت لا أزال في الماء..وملت برأسي إلى الخلف ووضعته فوق بطنها كما لو كنت أداعبها..فتبعتها وأمسكت بها وأحطت خصرها بيدي وأخذنا نسبح معا.. وحينئذ سألتها : هل تريدين أن تأتي معي إلى السينما في المساء؟"5.وحتى حين تتفاجأ بموت والدته يحاول أن يبرر لها بأنه ليس ذنبه أن أمه قد توفيت بالأمس.وبعد عودتهما من السينما ترافقه إلى بيته ويقضيان الليلة معا.ليكتشف بعد نهاية الأحد وهو يوم عطلته "وخطر في ذهني حينئذ أن هذا يوم أحد متعب، وأن أمي قد تم دفنها، وأني سأستأنف عملي غدا، وأن شيئا لم يتغير"6.إنها قمة عبثية الحياة التي لا تتوقف سواء كان الحزن كبيرا أم لم يكن أصلا.
 لقد ذهب في جولة انتهت بارتكابه لجريمة قتل.فقد أعطاه –ريمون-المسدس واحتفظ به في جيبه.عاد –ريمون – إلى بيت صديقه .أما هو فقد عاد إلى الشاطئ وهناك التقى بالشاب العربي الذي وقع بينه وبين صديقه-ريمون-المشادة.كانت الشمس قاسية جدا إذ يصفها بقوله"ولكن الحرارة كانت مؤلمة إلى درجة أنه كان من المستحيل معها أن أظل بلا حراك تحت أشعة الشمس المتساقطة كالمطر من السماء."7. ويواصل"وخيل إلي أن كل هذه الحرارة تتكئ علي وتعترض طريقي"8.وبسبب هذه الشمس الحارقة ،تهيأ له السكين الذي كان يحمله العربي عند النبع وكأنه سيف يلمع مما جعله يفقد السيطرة على أعصابه ويخرج المسدس"وتوتر كياني كله.وتقلصت يدي على المسدس.واستجاب الزناد للضغط ولمست إصبعي بطن المسدس المصقول.وارتفع صوت جاف وحاد في الوقت نفسه.وبدأت معه المأساة وأزحت العرق والشمس.وفهمت أني دمرت توازن اليوم والسكون الرائع للبلاج الذي كنت سعيدا فيه .وحينئذ أطلقت أربع رصاصات أخرى على الجسد المسجى الذي خمدت أنفاسه فنفذت فيه من غير أن يبدي حراكا.وكأنما كانت هذه الرصاصات أربع دقات قصيرة طرقت بها باب التعاسة والشؤم"9.
 حدثت الجريمة التي لم تكن متوقعة.حدثت صدفة كما قال –ميرسو- لأنه لم يكن في نيته
أن يرتكب الجريمة التي لا علاقة له بها إلا من خلال صديقه-ريمون- الذي خبره يوما أن صديقته تخونه وانه عليه أن يجد الدليل على خيانتها له.
 قبض عليه مباشرة بعد ارتكابه للجريمة، وزج به في السجن وقد طلبت المحكمة منه أن يطلب محاميا و إلا ستكلف المحكمة محاميا بمتابعة قضيته.لكنه كان يؤكد أن قضيته بسيطة جدا ولا تستدعي وجود محام.وعين له بعد ذلك محاميا.لم يكن الأمر مهما بالنسبة إليه فقد ظل يهتم بتفاصيل لا تعنيه كاهتمامه بلباس المحامي والقاضي وغيرها من الأمور التي لا تهم.
 وجد-ميرسو –نفسه متهما في قضايا لا علاقة لها بجريمته، فقد اهتمت المحكمة بسلوكاته أكثر من اهتمامها بارتكاب الجريمة وهو ما جعله يستغرب الأمر .يقول:" وعلم المحققون من البحث الذي قاموا به في بلدة مارينجو أني أظهرت عدم مبالاة يوم دفنت أمي...وقلت أني كنت أحب أمي من غير شك ولكن هذا لا يهم.وكل الأشخاص العاقلين يتمنون إن كثيرا أو قليلا موت هؤلاء الذين يحبونهم.وهنا قاطعني المحامي وبدا عليه اضطراب شديد...غير أني أوضحت له أن من طبعي أن حاجاتي الجسمانية تعرقل كثيرا مشاعري.وفي اليوم الذي دفنت فيه أمي كنت متعبا جدا،وكان النوم يسيطر علي إلى درجة أني لم أنتبه إلى ما كان يحدث والشيء الذي أستطيع أن أؤكده هو أني كنت أفضل ألا تموت أمي "10.إن المحامي لم يستطع أن يفهم مشاعر موكله التي بدت له غريبة لأنه لم يستطع أن يكبح جماح رغباته الطبيعية يوم وفاة والدته.
 تأكد للمحكمة خلال فترة الاستجواب أن –ميرسو- ذا سلوك شاذ وغريب .وظل يؤكد أنه ارتكب جريمته بمحض الصدفة وأنه لا يربطه بالشاب العربي أية علاقة. وكان يشعر بسعادة والآخرون يتكلمون عنه رغم استغرابه من أن الحديث كان عنه أكثر منه عن الجريمة . هكذا كانت نهاية –ميرسو-ونهاية رواية –الغريب- لآلبير كامي.الرواية التي أثارت الكثير من التساؤلات مست حتى –كامي-الإنسان ومدى إيمانه .
 تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي بتوقيع المخرج الايطالي –لوتشيانو فيسكونتي-عام 1967 بالعنوان نفسه،و من بطولة النجم-ماستروياني-الذي جسد شخصية –ميرسو-بطل الرواية وغريبها.وقد اعترف –فيسكونتي-والعديد من النقاد بفشل الفيلم وأعادوا السبب لالتزام المخرج التام بالرواية وذلك بأمر من زوجة الروائي-السيدة كامي-.ونظرا لأن الرواية شيء والسينما شيء آخر فقد ظلت الرواية تحمل ألقها وتحتل موقعا هاما في الأدب العالمي ولم يكن للفيلم ذاك الألق.
                 
هوامش:
1-كامي،آلبير،الغريب،المكتبة الثقافية،لبنان،بيروت1982،ص07.
2-الغريب، ص08.
3-الغريب، ص09.
4-الغريب، ص22.
5-الغريب، ص24.
6-الغريب، ص29.
7-الغريب، ص60.
8-الغريب، ص60.
9-الغريب، ص62.
10-الغريب، ص67.

 

 

بقلم د. كريمة الإبراهيمي


المراجع

odabasham.net

التصانيف

فنون   كتب   روايات وكتب ادبية   الآداب