جاءني – على خلاف عادة الأقران في المنافسة – يحمل مخطوطة كتابه في العروض، ( إزالة الغموض عن علم العروض ) ويشير إلى أن أكتب له مقدّمة،
كان قد نحت حروف كتابه نحتًا ليس رسمًا ولا كتابة، متعبًا من هزّ رقبته ودوزنة أصابع يديه لضبط الإيقاع لبحور الشعر المختلفة.
لا أذكر ماذا كتبت له، ونسيت تفصيلات الزيارة، بل نسيت جملتها وعمومها،
كنت يومها قادمًا من سفر طويل عانيت فيه غربة الوجه واليد واللسان، ومتطلّعًا إلى سفر آخر مجهول لم تتوضّح لي نذره من بشائره، فكتبت له ولا أدري ما كتبت،
وتمرّ الأيام سريعة بطيئة لأجد الكتاب في أحد المواقع وفيه تقديم يحمل اسمي، وفيه من بهجة الذكريات المبتسم منها والباكي.
أخي الأستاذ الشيخ صلاح الدين الوليد، سلام على ذكريات الطلب، والمدرسة الآصفية في الفلوجة، ونفحات الروح عند السياج الأخضر والحاج المرحوم إسماعيل الصقلاوي يراقب غروب الشمس وهلال شهر رمضان أو ربيع الأول، وكان الهلال يومها سلامًا وطمأنينة على الرغم من أنه يحمل شكل الخنجر
======================================
هذه صفحات كتبت بأقلام التين والزيتون، شاء كاتبها أن يزيل بها الغموض عن علم العروض، والإزالة طريقة ومنهج، والمناهج أشتات متعددة وأشكال متلونة من كل جنس وفصل وعرض عام وخاص. والغموض مسألة أو مشكلة نسبية، فهناك من تغمض عليه الواضحات والبدهيات، وهناك من لا تغمض عليه عصيّات المعارف وفنقلات (1 ) المسائل، وتعود هذه النسبية إلى اختلاف المدارك وتفاوت الأفهام .. ومنها ما يعود إلى طبيعة التلقي والإدراك، ولا وشيجة بينه وبين حدّة الذكاء وعدمه، فهناك من الأذكياء من له قدرة الحفظ والاستيعاب للنصوص الأدبية ولا طاقة له في فهم مشكلات الرياضيات أو الفيزياء والعكس صحيح أيضًا. ولهذا الملحظ دراسات اختص بها القياس أحد فروع علم النفس.
وعمومًا فإنّ مناهج التأليف وسائل تباركها سلامة النية والمقاصد الحسنة، فالمتون يكتبها أصحابها من أجل تبصير الطالب بالخطوط العريضة، للمسائل ويأتي الشارح مفصلا لتوسيع مدارك الطالب والإحاطة الواسعة بما يتعلق بهذا المتن من معارف وعلوم، ويأتي مؤلف الحاشية لهدف أوسع في هذا المنحى، ويقوم الناظم بنظم المتن على شكل أرجوزة غالبًا أو ببحر آخر من بحور العروض ويهدف إلى تسهيل الحفظ للطالب لما في الشعر من الإيقاع الذي يجعل النفس تهش لمطالعته وحفظه ويبعد الجدِّيَّة الصارمة في النص النثري المكتوب بأسلوب المختصرات العلمية كما هو معروف ومألوف، ويأتي هدف المختصرات بعد الحواشي المطولات ليأخذ أمّات المسائل ويشذب الكتاب من الإغراق في مسائل تشتت ذهن الطالب حسب قناعة صاحب المختصر. وأمام هذه الملاحظات والأفكار يأتي (إزالة الغموض)عن علم العروض لمؤلفه الأستاذ الشيخ صلاح الدين عيادة الوليد حلقة في سلسلة التآليف الكثيرة في أنواع العلوم وأشتات المعارف، وتبارك هذا الكتاب سلامة المقصد والنية الحسنة.
وفي نظري: إن الباحث نجح نجاحًا كبيرًا وكتب له التوفيق في إزالة الغموض عن علم العروض، وكان عصاميًا في تنقيح هذا العلم، فقد قدِّر لي أن أزامل الأستاذ الشيخ صلاح الدين في طلب العلم من مرحلة المتوسطة الإسلامية وحتى الإجازة العالية ( البكالوريوس ) في كلية الشريعة فما أذكر أنا درسنا هذا العلم في مرحلة من مراحل دراستنا، إلا أنّ المؤلف الكريم - كما كنت - نتابع مسائل هذا العلم من المختصرات فالشروح، ونثبّت معارفنا بالأسئلة والاستكشاف، ويقوم عمودنا في هذا الفن على الحس الموسيقي والموهبة المفطورة في معرفة البيت الموزون من المكسور.
وقد ثقفت قناة الأستاذ المؤلف بمجالسته للمجتهد
العروضي الشيخ جلال الحنفي البغدادي – رحمه الله - وأفاد منه كثيرًا في جزئيات هذا الفن وفي عموم منهجه الاجتهادي، ومن أجل ذلك أتوقع للمؤلف عنتًا ليس بالقليل من ثلة حسبت العلم كتبًا معيّنة بذاتها بحيث لو حصل الدارس على المعلوم من غير الكتب التي يتداولها أولئك القوم فلا عبرة بهذا التحصيل، لأن الوسائل عند أولئكم انقلبت غايات.
والحديث عن الوسائل وطرق التأليف ومناهج التعليم وإزالة الغموض والتوضيح والتنقيح حديث ذو شجون وشؤون، اختلفت فيه أنظار الدارسين في احتراب بين القديم والجديد، فثلة تنكّرت لهذا الجديد بمحاسنه ومساوئه، وثلة أعرضت عن القديم بأوجه وحضيضه.
والمؤلف يذهب - كما أذهب - إلى أن هناك معلومات في هذا الفن وغيره أصبحت في ذمة التاريخ ومتاحف الأفكار يتعلمها الدارسون للاطلاع على سير علم ما من العلوم ومعرفة ما من المعارف، ويبقى التنقيح وطرق التأليف وإزالة الغموض خاضعًا لمقتضيات العصر المتغيّرة وللاجتهادات والتجارب، وتلك سنة كونية لا يتخلف عنها إلا من يعيش خارج الزمن.
شكر الله للمؤلف هذا المجهود المحمود، وذكرني وإياه يوم ينسانا الناس ويجفونا الأهل والمال والولد آمين .
1 – الفنقلة كلمة منحوتة من كلمات ( فإن قلت كذا فالقول كذا ) ومثلها الحوقلة والبسملة ونحو ذلك.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب ملاحم شعرية