عادت كثرة من "العقبة" بعد ان امضت العيد فيها ، والعائدون فر نصفهم منها ، لانهم شاهدوا ما لم يشاهد في حياتهم ، من مشاهد حولت العقبة من منطقة سياحية وخاصة ، الى أي شيء آخر.
عشرات آلاف الزوار الذين زاروا العقبة خلال العيد لم يذهبوا الى الفنادق. افترشوا الارصفة والشوارع والجزر الوسطية ، والشواطئ ، وكل من لديه "فرشة" قام بمدها على الارض ، السماء لحافه ، والارض سكنه ، بطريقة تنم عن الفوضى. الشواطئ لم تسلم من الاف الشباب المتسكعين الذين قدموا للتسكع والفرجة على العائلات الاردنية ، شرب الخمور على الشاطئ ، وتدخين السجائر بشراهة ، ورمي الاطعمة على الشواطئ ، والزحام "الغبي" على المحامص لتوفير دينار في كيلو "الكاشو" قلب العيد في العقبة الى جهنم حمراء ، لم يسلم منها الا من اختبأ في فندقه.
نحن لا نؤمن بالسياحة. نؤمن بالاستباحة ، ولذلك علينا ادراج كلمة الاستباحة مكان السياحة ، فالتجهم والعصبية ، والتطاول على الاخرين صفة اساسية ، والالاف على الشاطئ يجحرون بعضهم البعض بنظرات غاضبة ، وكأن الكل يخشى الكل ، او الكل يشك في الكل. الخيم القديمة المهترئة يتم نصبها على شاطئ سياحي ، والاراجيل والمشويات سيدة الموقف ، والزجاج يتم تكسيره بنفسيات غاضبة وعنيفة ، كأنها تنتقم من الدنيا عبر العقبة ، اما العائلات فأما ضحية صولات الشباب "الصايع" على الشواطئ ، واما ضحية سلوكياتها البدائية من تدنيس الشاطئ ورمي كل المخلفات عليه.
هذه هي احدى صور السياحة الشعبية. اي سياحة شعبية تقوم على تجمع "الزعران" و"العواطلية" في منطقة سياحية ، والتجمع للتفرج على الناس وعائلاتهم. اذا ذهبت الى شرم الشيخ تكتشف انها سياحية وحسب. مغلقة على كثيرين. ومغلقة على كل شيء اخر. نحن مثل صاحب السبع صنايع. نريد عشرين كيلومترا على الشاطئ ، يكون فيها سياحة وسفر واستجمام وميناء واستيراد سيارات وحبوب ونفط ومصانع كيماويات ، ونريد سياحة اجنبية ومحلية في "فراش واحد" برغم انهما لا يجتمعان في توقيت واحد ، ولا في سلوكيات واحدة.
القصة ليست لها علاقة بسلطة العقبة.. لها علاقة بنا.. بالناس. وكيف يفكرون. وكيف ينظرون الى الاخر. رأيت سائحا اجنبيا يقفز للسباحة عند الشاطئ الجنوبي ، فتستغرق عائلات كثيرة تجلس الى الشاطئ في الضحك بشكل "هستيري" على لون مايوه السباحة خاصته. وكأنه نكته. برغم ان جماعتنا يجلسون ويأكلون المكسرات بطريقة نهمة وينثرونها على ارض الشاطئ ، ويشغلون اغاني رديئة. الاجنبي لم يعجبهم. بنظرنا هو متخلف. برغم انني سألته فاذا به مهندس كيماوي زار سبعة وثلاثين بلدا على دراجة نارية ، لكنه عندنا عديم الشرف ، وسكير وعربيد وسيدخل جهنم بسبب لون المايوه. غادر السائح ووجهه منفعل من ضحك الناس عليه ، وتأشيرهم بأيديهم عليه.
احتار في حالنا ومن نحن. هل نحن علمانيون ام متدينون. هل نحن نريد سياحة اجنبية ام محلية. كيف نقتل على جرائم الشرف فيما يجتاح الالاف بعيونهم عائلات الاخرين. يتحسسون وجوه كل القادمين بنظرات تليق بالذئاب البشرية. هل نحن مع الخصخصة ام مع القطاع العام. هل خلع النساء للعباءات السوداء والدخول ككاسحات الغام بشرية ثقيلة الوزن بكراسي بلاستيكية الى بداية الشاطئ ، تعبير عن الحاجة للترويح ، ام تعامل مع الشاطئ باعتباره غرفة للاستحمام الشخصي والحصول على دوش مجاني ، على حساب الحكومة الكريمة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور