لم افهم ما الذي يعنيه رئيس الوزراء ، حول اعادة هيكلة الجهاز الحكومي ، فالتعبير في ظل مصاعب اقتصادية ، اتخذ مناحي عدة في التفسيرات.
يقول الرفاعي في رده على خطاب التكليف.. (وسُتعيد الحكومة هيكلة الجهاز الحكومي وستستثمر في تطويره وتأهيله وتدريبه ، وباتجاه مساعدته على التخلص من جميع مظاهر الترهل ، لتصير جميع مؤسسات الدولة مراكز تميز تعمل بفاعلية واقتدار ، وفق منهجيات تضمن تكافؤ الفرص في التعيين والترقية وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة ومحاربة جميع أشكال الفساد والواسطة والمحسوبية).
نتفق مع الرئيس بشأن وجود الترهل ، واعادة هيكلة الجهاز الحكومي ، غير ان لا احد قادرا حتى الان على التنبؤ بما يعنيه كلام الرئيس من "آليات" لتنفيذ خطته في اعادة هيكلة الجهاز الحكومي ، اذ ان مصطلح "الهيكلة" يعني اقتصاديا ، التخلص من اعداد من الموظفين ، وفي كلام الرئيس ما يُصدق الاشارة الاولى ، حين يقول ايضا انه يعتزم مع حكومته مساعدة الجهاز الحكومي في التخلص من الترهل ، ولا نعرف ما هي هذه الاليات؟ هل سيتم احالة موظفين بأعداد كبيرة الى التقاعد؟ ام سيتم توزيع الادوار والوظائف بشكل جديد ، وهل ستتمكن الحكومة من الموازنة بين الامن الاجتماعي ، وهيكلة الجهاز الحكومي.
مبدئيا ، حتى لا تبدو القصة كمن يثير عاصفة مخاوف في وجه الحكومة الجديدة ، فان احد اهم ملفات هيكلة الجهاز الحكومي ، هو ملف المؤسسات المستقلة التي باتت بمثابة جُزر لا يقدر احد على الاقتراب منها ، ولكل مؤسسة موازنتها ومديرها وطاقم مكتب لمديرها وسيارته ونفقاته وربما هناك مستشارون وموظفون بعقود مرتفعة ، دون حاجة لهم ، واول "هيكلة مقبولة" من الحكومة ، يجب ان تكون باتجاه دمج جميع المؤسسات المستقلة مع الوزارات ، ودمج موازناتها ، والتخفيف من الرواتب والامتيازات ، التي تُعطى بغير وجه حق ، ولربما لو اجرت الحكومة دراسة علمية على كثير من هذه المؤسسات لوجدت ان بالامكان خفض ملايين الدنانير من النفقات التي تأتي في غير محلها ، واعادة لولاية الحكومة الادارية ، بدلا من هذا التشظي ، في غير موقع ومكان.
رئيس الوزراء سيواجه حملة شعواء في حال دخل الى ملف هيكلة الجهاز الحكومي ، من هذه الزاوية ، لانه سيواجه مشيخات ، ولهذه المشيخات نقاط اسناد وبطانات ، ولها ايضا من ينوح عليها سياسيا واعلاميا ، في حال تم المس بها ، واختبار الرئيس الاساس قدرته على الاستمرار ، وعدم التوقف عند مقاومة اي تغييرات في هذا الصدد ، لان هناك من يتفرج ، ولن يرضى ان يتم المس بوجوده ومصالحه وامتيازاته ، وسيهرع كثيرون الى "اللوبيات المساندة" في الحديقة الخلفية ، من اجل استنفار القوى ضد مخطط هيكلة الجهاز الحكومي ، من هذه الزاوية ، ولربما يتعمد البعض بث المخاوف بين هيكلة من هذا النوع ، وهيكلة اخرى تمس عموم الموظفين.
هيكلة الجهاز الحكومي يجب ان لا تعني باي حال من الاحوال تخفيف النفقات عبر التشاطر على الموظفين وصغار الموظفين ، ورسالة الثقة التي ينتظرها الشارع هي الانحياز الى مصالح الناس ، وتوفير دنانيرهم ، وصرفها في المكان الصحيح ، وبامكان الرئيس ببساطة ان يلتزم بقاعدة عدم الاسترضاء وعدم الخوف من الابتزاز وحسابات الشعبية الانية ، باللجوء الى الوصفة التي لا خلاف عليها ، اي ازالة التشوهات التي يستفيد منها افراد مدعومون ، وكبح جماح الانفاق الحكومي على الاف السيارات ، ووقودها ، واستعمالها خارج الساعة الثالثة ، اي بعد انتهاء الدوام ، وتحصيل ملايين الدنانير من متنفذين واناس عاديين ، لدعم الموازنة ، وقضايا اخرى عديدة ستوفر على الدولة نفقات مذهلة.
نريد ان نسمع من الرئيس عما يقصده تحديدا بهيكلة الجهاز الحكومي ، وعلينا ان نتذكر ان "الامن الاجتماعي" ومراعاة حساباته ، لا يعني الرضوخ لحسابات الشعبية الانية.
غسل الدرج بالماء يبدأ من فوق الى تحت ، ولا يبدأ من تحت الى فوق،.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور