في الذاكرة ، صور سلبية عن علاقة الصحفي بدائرة المطبوعات والنشر ، وذات ليلة كانت الساعة تشير الى الثانية عشرة ليلا ، والدنيا رمضان ، حين جاءت مكالمة ليلية من مدير مطبوعات ونشر سابق ، يطلب فيها مني المثول بين يديه ، فورا ، والقصة حدثت قبل سنوات طويلة ، وحاولت اقناعه بأن امثل امامه صباحا ، الا انه رفض وارغد وازبد.

ذهبت الى دائرة المطبوعات والنشر ليلتها ، ورأيت المدير يلبس دشداشة بيضاء ، تزامنا مع اجواء شهر رمضان ، وبيده مائتا مفتاح ، هي مفاتيح الدائرة ومكاتبها ، والقصة كل القصة ، كانت خطأ غير مقصود ، في اسم مسؤول ، في مجلة عربية شهيرة ، كنت اراسلها آنذاك. سلمني عطوفته يومها ردا مكتوبا على المجلة ، يطلب فيها تصحيح الاسم ، وحين حاولت افهامه ان الخطأ الطباعي يحدث في كل مكان ، الا انه لم يستوعب ، ولا انسى انه من فرط توتره كان يدخن ثلاث سجائر ، واحدة في فمه ، وواحدة موضوعة على المطفأة ، والثالثة كان للتو قد قدحها واشعلها ، بنار قلبه ، قبل ولاعته.

منذ تلك الايام اكره دائرة المطبوعات والنشر ، لان هناك ذهنية لدى بعض من مر عليها تقول ان الاردن يبدأ وينتهي من عنده ، وهي ذهنية بائدة ، ولم يعد احد يُصّدقها هذه الايام ، اذ ان الاردن في قلوبنا كلنا ، قبل هذا او ذاك الذي يُحب الاردن ، ما دام الراتب يتدفق على الحساب ، وينقلب الى كائن اخر ، اذا احيل الى التقاعد. مناسبة هذا الكلام هي ما نشهده هذه الايام ، من قفز وتقافز على ظهورنا ، ممن له علاقة وليس له علاقة بما نشتغله في الاعلام ، وعلى الاخص الاعلام الالكتروني الذي خدم البلد اكثر من اطنان التصريحات. يكفي ان الاعلام الالكتروني تواصل مع العالم ومع الاردنيين في كل مكان ، وغطى احيانا عجز الاعلام الرسمي.

ليس من حق مدير دائرة المطبوعات والنشر الصديق العزيز نبيل المومني ان يتصل بأي موقع الكتروني ليقول لمن فيه ، ارفع المادة ، او غيًّر في صياغة هذه الفقرة. من حق المُتضرر من اي مادة مباشرة ان يقوم هو بالاتصال بالموقع واقناعه ، او حتى رفع دعوى قضائية عليه ، فما هي علاقة مدير المطبوعات والنشر اساسا بما يُنشر ، وهل هذا هو دوره المُعّرف اساسا ، بأن يُصبح رئيسا متجولا للتحرير ، للمواقع الالكترونية ، وقد تمتد صلاحياته لاحقا ليطلب من الصحف اليومية ارسال نسخ من مقالاتنا قبل تنضيدها وتحبيرها وطباعتها. مدير المطبوعات والنشر ليس وكيلا عن الجمهور واي متضرر ، وبامكان الجمهور او المتضرر ان يتحدث مباشرة الى اي موقع ويحل اي مشكلة بالود والتفاهم ، او ان يذهب الى القضاء او نقابة الصحفيين ليشكو مباشرة ، دون تدخل من مدير المطبوعات ، فهو ليس طرفا ، لا هو يُمول المواقع ، ولا هو ممثل للمتضرر ، ولا هو نقيب الصحفيين ، ولا هو ايضا قادر على الدخول في هذه المعمعة ، مهنيا وفنيا ، لاننا سنشهد ردا على تحرشاته ، ظهور عشرات المواقع الالكترونية بعشرة دولارات ، مجهولة الصاحب والمصدر ، ترد عليه ، فينفلت الاعلام الالكتروني بطريقة غير متوقعة.

اذا كانت هناك سلبيات في بعض المواقع الالكترونية ، فهي لا تنفصل عن اي سلبيات اخرى نراها في الاعلام اليومي والاسبوعي والرسمي. واذا عددنا ايجابيات الاعلام الالكتروني لوجدناها غالبة ، وما يحتاجه الناس هنا كلمة وحوار ، فهم ابناء بلد في نهاية المطاف ، وليسوا خوارج او عصابات ، حتى تتم معاملتهم بهذه الطريقة ، وليدلني احد في الاردن على احد اخر ، لا يحب الحوار والاستماع للاراء والملاحظات ، حتى لا يتم تصوير المواقع الالكترونية باعتبارها مدافع رشاشة مُنفلته ، في حياتنا.

دائرة المطبوعات والنشر هي الاعجوبة الثامنة في هذا الكون ، والاصل الغاؤها لا تفعليها.. مع الاعتذار من مديرها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور