أثيرت مرارا قصة الخدمات التي تقدمها النسوة القادمات عبر البحار ، الى البلد ، ولا احد يسمع ، ولا احد يستجيب ، وكأننا نصيح فرادى ، فوق جبل عال ، ولا احد حولنا.

لا احد يُنكر القيم الاخلاقية المنتشرة ، بين الناس ، ولا تدينهم ، حتى لا تبدو القصة بمثابة تشويه لسمعة الناس والبلد ، اذ ان تشويه سمعة البلد ، يكون حقا بترك نسوة البحار والصحارى ، يفعلن ما يُردن ، برعاية ذكورية مريضة ، فيما نقد المشهد يحمل دفاعا عن قيم الدين ، وسمعة البلد ، حقا. يتصل بي احدهم ، ظهيرة الامس ، ويقول لي اذهب نهارا.. الى الحدائق الكبرى في عمان ، وشاهد بعينيك ما تفعله بعض الكوفي شوبات وليس كلها ، بعض الكوفي شوبات ، حتى لا نتهم الجميع ، فبعض الكوفي شوبات يُشغلن اناثا من دول عدة ، وتكون مارا لشأن ما ، فتوقفك الصبية ، وتقول لك ادخل حتى نريح اعصابك. ادخل هناك مكان بعيد عن الاعين.

القصة ليست جديدة ، وقد كتبت عنها مرارا. الجديد في الامر ان العملية بدأت جهارا نهارا. عصرا وقبيل المساء. بعد ان كانت تتم بعد الغروب. يقول من جرب وذهب ان صفقات صغيرة تتم هناك لمقابلات تتم خارج المكان ، وهناك من يلتقط الرجال المرضى ، ويعرض عليهم ايضا اخذهم الى شقق واماكن اخرى. مع هذا فواتير مرتفعة جدا لمجرد مجالسة امرأة ، يتم استخدامها كفخ لجلب الزبون ، ووفقا لوضع الزبون فاما يتم الاطمئنان له ، وتشبيك علاقة ما معه خارج المكان ، واما يتم تقديم خدمة عابرة له ، وفي حالات يتم سلبه ماله ، بفواتير جنونية تحت مُسمى المجالسة وسعر الطاولة ، الى اخر هذه الافعال المشينة.

الامر اذن لم يتوقف عند النوادي الليلية التي زاد عددها عن ثلاثمائة نادْ في عمان ، ولا يتوقف عند تفريخ اعداد المشارب والبارات ، بحيث حاصرت البيوت والشقق والمساجد ، ولا محلات بيع الخمور ، ولا يتوقف عند محلات المساج المُختلط في العقبة. الامر يأخذنا الى ما هو اسوأ جدا. كيف نقبل بكل هذا ، ومن يتحمل المسؤولية عن هذا الفساد الاخلاقي ، الذي بات يخجل البعض من اثارته بذريعة اننا ابناء العصر الحديث. ما هو مُحزن حقا ومؤسف جدا ان ترى شبابا في عمر الورد غرقوا في هذه الخرابات ، ويجمعون شُغل الاسبوع في محل الميكانيك او المطعم او اي مهنة اخرى من اجل دفعها على هكذا اشياء ، والامر يمتد الى الميسورين ، الذين نسوا الله ، فأنساهم انفسهم.

يسألني قارئ ذات مرة بقوله انت "كاتب سياسي" فلماذا تذهب الى الملف الاجتماعي ، ولماذا تتحول الى خطيب جمعة؟. حسنا. الامر بات يمتد الى الاستهزاء بخطيب الجمعة ، وكأنه من خارج عصره وزمنه. الكتابة رسالة وشهادة. اشغال الناس فقط بقصص عملية السلام والتنمية وسعر صرف الدينار والتعديل الوزاري وسعر البطاطا وزيت الزيتون ، امر لا يعكس حالة البلد ، ويُغّطي احيانا على الملفات التي تضربنا في عظمنا وفي الصميم. تحنيط الكاتب بصفة "كاتب سياسي" كمومياء لا ترى ولا تسمع. تحنيط مدروس. لان البعض يُريدك ان تبقى مستغرقا في قضايا مهمة ، غير ان هناك ما هو اهم منها ، وفي هذا "الدور الوظيفي" تزييف للوعي العام ، وتغييب لنور كلام الله في الارض.

الحدائق بحاجة الى حملة تنظيف وتمشيط ، ووقف لهذه المهازل ، والنوادي الليلية بحاجة الى اغلاق ، ولا شيء غير الاغلاق ، فلا مجاملات في هكذا قضايا ، في بلد عربي ومسلم ، ولا يقبل مسلموه ولا مسيحيوه هكذا قيم جديدة يتم انتاجها على حساب سكينة الناس ، هذا بلد فيه فقر ومرض والم ، وفيه سر وبركة وخير ، وله قدر خاص عند الله. لا مُجاملات ولا انصاف حلول. كل هذه المهازل يجب ان تتوقف ، لاننا نرجع الى الوراء كل يوم. وبات الواحد فينا غير قادر على التمتمة حتى في وجه ما يُغضب الله ، لان لا احد يقف معك. يكفيني ان تكون قولتي لله. ويكفيني ان اعود مثنى وثلاث ورباع والف مرة ، الى هكذا ملفات ، لان النخر وصل العظم ، وما زال النخر يزداد ، فلا نفاجأ ذات لحظة بنتيجة سكوتنا على ما يجري ، فان عين الله لا تنام ، وبصائر الصالحين تنزف دما من شدة الغضب. اخاف عليك يا عمّان حد الهلع ، وسقى الله ايام ، كنا نعتبر فيها دار السينما "كبيرة" من "الكبائر".


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور