القيادي في حركة حماس "محمود الزهار" قدَّس الله سره ، يعترف في مخيم النصيرات ، قبل فترة ، ان حماس اجرت مائة وعشرين جولة مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل.
السلطة الوطنية الفلسطينية ، وقلبها حركة فتح ، اجرت خلال السنوات الاخيرة مئات الجولات التفاوضية المباشرة وغير المباشرة مع اسرائيل ايضا ، وما بين قبولها وتمنّعها ، فان السلطة لا تخفي اساسا علاقتها الساخنة باسرائيل ، ولا تسلل قياداتها بين وقت واخر الى "تل ابيب" للتفاوض والتنسيق والفرفشة في حالات اخرى.
يجري ذلك كله في الوقت الذي ترفض فيه حركتا حماس وفتح ، ان تتنازلا تجاه بعضهما ، فتعيش "حماس" راضية مرضية في مملكة "غزة" فيما يعيش بقية الرفاق في مملكة "رام الله" وهي ممالك منزوعة الهيبة ، لان الشعب الفلسطيني يدفع الثمن مثنى وثلاث ورباع ، في كل الحالات ، على يد من يدعون وكالته.
المشترك اليوم بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية ، هو عدم القدرة على صياغة انتفاضة جديدة ، ولا اي نوع من المقاومة ، ولا اي مشروع سلمي استسلامي ، يصلح كنقيض للمقاومة ، وفوق هذا يتسبب الطرفان بمصاعب حياتية وانقسامية داخل البيت الفلسطيني ، ويتحول كل طرف الى وكيل اقليمي لعواصم اكبر واقوى ، تتكاسر على ظهر الشعب المنكوب.
الذي قبلته سلطة اوسلو - اي التنازل عن فلسطين المحتلة عام ثمانية واربعين - والقبول بدولة في حدود الضفة الغربية وغزة ، قبلته ايضا حركة حماس واعلنته مرارا منذ زمن الشيخ احمد ياسين وصولا الى هذه الايام ، والفرق هو ان حماس تقبل ولكنها لا تريد الاعتراف باسرائيل ، وهو مجرد "غنج" في السياسة الدولية ، قبيل الدخول للفراش.
اذا باتت المسابقة اليوم على من يجري جولات مفاوضات اكثر مع اسرائيل ، فلا نلومن احدا على هذا الخراب المُعشش ، اذ اننا بشكل واضح امام مشروعين سياسيين يتنافسان على من ستؤول اليه الامور في الضفة وغزة ، واسرائيل وسط هذا المشهد ، ترغب ببقاء التنافس جاريا ، فيما بناء المستوطنات مستمرا.
اللمعة "النورانية" التي حازتها حركة حماس بسبب عملياتها ضد اسرائيل ، عادت وتبددت ، لان سنوات الحصار الثلاث ، اثبتت ان لا مشروع واضحا لديها للخروج من النفق ، فلا مشروع للمقاومة ، ولا مشروع للسلام ، وما بينهما تعلن شعارا ثوريا ، لكنها تجري مائة وعشرين لقاء سريا مع اسرائيل ، والمخفي اعظم.
شعب فلسطين تشّرد في الدنيا ، وتم تقسيمه الى عشرات النوعيات والفئات والترقيمات ، من ثمانية واربعين الى سبعة وستين ، الى حملة الجوازات الفلسطينية ، الى حملة الوثائق ، مرورا بحملة الجنسية العربية والاجنبية ، وصولا الى التقسيمات الفصائلية ، وما بين من هو ضفاوي وغزاوي ، وهو تفتيت لم ير له التاريخ مثيلا.
ليس مهماً ان تجلس قيادات اوسلو دون وضوء مع الاسرائيليين ، فيما قيادات حماس تتوضأ قبيل هذه اللقاءات ، فدنس العلاقة مع اسرائيل لا يبقي لاي احد كان اي نوع من الشرعية ، ولا تصمد التبريرات ، امام ما في المشهد من إفك واثم وخطيئة ، بات الجميع غارقا فيها.
يجلسان مع "الاسرائيلي" سرا وعلنا ، ولا يجلسان مع بعضهما.. فأي عارْ هذا؟،.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور