ليس اجمل من الكلام الذي قاله الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي الأسبق ، ورئيس الجامعة الاردنية ، في محاضرته قبل يومين في نادي الوحدات.

يصف الكركي الاردنيين والفلسطينيين ، على ضفتي النهر ، بأنهما يوسف وشقيقه ، ويُحذر من اخوة يوسف ، اي العرب ، الذين يريدون ليوسف وشقيقه ان يقبعا في "الجب" اي قاع البئر ، ويقول الكركي في نصه "هناك هويات فرضتها تحولات الزمان الاستعماري ، وغياب الوعي القادر على التصدي له لكن حالتنا هنا مختلفة ، وعلينا أن نعمّق الروح القومية العامية ، وأن نثبت فلسطين في دفاتر أطفالنا ، كما هي راسخة في وجدان أهلنا كلهم ، من يرى نفسه قومياً ، ومن يلتمس حلا اسلاميا ، ومن حاول من خلال التماس فكر رآه ثورياً إنسانياً ... كل هذا ممكن ، وأنا لا أحطب في ليل ، بل اقرأ مئة عام بين الكرك والخليل ، ومثلها بين نابلس والسلط ، وإربد وطبريا ، لذلك نرجو أن يهدأ الذين يطرحون أسئلة فيها استفزاز كبير حول المساواة والحقوق والوحدة الوطنية ، وينسون أن شهداءنا يطلعون اقمارا في سماء فلسطين وينثرون عطر دمهم على الضفتين".

خالد الكركي يقول كلاما مهماً ، فهو اساساً يريد توقيت ساعة الناس ، على ساعة واحدة ، وان يتذكروا ان العدو واحد ، وان نقل العداوة الى مابينهما ، هو كل مايريده العدو ، الكركي يريد ايضا ، ان يذكر الناس بالحقائق التاريخية الكبرى ، التي صاغت الماضي وتصوغ الحاضر والمستقبل ، فلا غنى ليوسف عن شقيقه ، ولاغنى لشقيقه عنه ، وهما حالة خاصة ، فريدة ، نبيلة ، لايصح معها ، ادعاء الانتساب الى "يوسف" وكره شقيقه ، او العكس ، حالة خاصة لاتتوفر عربياً ، وتحمل نبوءة ايضا ، تقول ان العز والمجد لهما في نهاية المحنة التاريخية ، وان الصبر على بلاء الشرق ، سيؤدي الى ان يحصد "يوسف وشقيقه" مكافأة السماء على الصبر على هذا البلاء.بلاء اسرائيل ، الذي حل في فلسطين ، ولايترك الاردن من شره الخفي والعلني ، ايضا.

في كلامه قبل فترة ايضا لخريجي الجامعة الاردنية ندّد الكركي بإسرائيل وطالب بمقاطعة العدو ، وكلامه آنذاك اثار موجة من ردود الفعل ، فما بين الذي ظنه يستعيد البطولة بأثر رجعي ، لظنه انه ذاهب الى التقاعد ، فقال كلامه لجعل احالته للتقاعد محرجة ، وذاك الذي ظنه يسيس مناسبة اكاديمية ، وكل الظن اثم في هذه الحالة ، فالرجل قال كلاما هاماً ، بحاجة الى جرأة ، ليس في ظلالها عقد عمله ، ولاماهو اصغر من هكذا اعتقادات ، ويستذكر الكركي تلك الكلمات ، مرة ثانية في محاضرته بالوحدات ويقول.."لم يدر في خاطري والدنيا تضطرب بعد حرب 1967 أن شخصاً منّا سينال الثناء لأنه أثار بموقف أكاديمي مقاطعة الكيان الصهيوني دوليا.. لم يخطر لي ببال أن هذه ستكون ، أو أنها ستدخل في كتاب الفضائل ، بعد أن كنا فتية نراها - فلسطين - وما نزال ، عربية من نهرنا إلى بحرنا ، ولو تراخى الزمان على عكا مئة عام بين رحيل صلاح الدين عن أسوارها وبين تحريرها زمن الأشرف خليل" .

الاردن ارضه ولادّة وخصبة ، من الرجال الذين بنوا البلد ، على مدى عشرات السنين ، الى الرجال الذين قدموا دمهم لاجل الاردن وفلسطين ، مرورا ، بتلك القامات التي نحسبها ينابيع ماء ، تسقينا في ظل عطش الصحاري ، والتوهم وراء السراب.

ليوسف وشقيقه حبل من السماء لاينقطع ابدا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور