يروي احدهم ، وانا واثق تماماً من روايته ، ان معلماً دخل الى الصف في مدرسته ، فاكتشف ان ثمانية عشر طالباً مخدرون مسطولون ، من اصل اربعين طالباً في الصف.

يقول: ان حبوباً جديدة تنتشر في مدارس المملكة تدعى "برازيلية" وهي نوع من انواع المخدرات ، وتباع الحبة بربع دينار فقط ، وتسبب لمن يتعاطاها شعوراً بالفرح والنشوى والضحك المستمر لمدة تزيد عن الساعتين ، ثم شعوراً بالاحباط واليأس ، بعد انتهاء مفعول الحبة.

يأتي السؤال المدوي: كيف تنتشر هذه الانواع من المخدرات بين طلبة المدارس ، وما هو سر بيعها بهذه الاثمان الرخيصة جداً ، وهل هناك اطراف خارجية تغطي كلفة هذه المخدرات ، من اجل تسهيل بيعها في الداخل الاردني.

الثمن بسيط جداً ، ويؤدي الى تحويل الطلبة الى مدمنين على المخدرات ، ومع المخدرات تأتي في وقت لاحق المشروبات الكحولية والدعارة والجريمة والخراب الاجتماعي.

هناك اهمال كامل للملف الاجتماعي في البلد. كل احاديثنا فقط عن السياسة والانتخابات والاحزاب والحكومات والنواب ، لكننا ننسى القاعدة الاجتماعية للشعب التي يتم تخريبها.

من محلات بيع الكحول التي باتت في كل زاوية ، الى النوادي الليلية وصولا الى شبكات الاتجار باللحم الابيض ، ونشر المخدرات ، والعقائد الفاسدة ، وشلل الايمو وعبدة الشيطان ، وتأثيرات الفقر والجوع والحرمان ، تأتي النتائج بجرائم يشيب لها الولدان.

تغييرات اجتماعية تشابه موجات التسونامي ، في اضرارها اليومية والقريبة والبعيدة ، دون ان يقف عندها احد.

غاب المسجد وغاب التعليم بروحه الاخلاقية عن المدارس والجامعات ، وتم هتك البيوت بالاتصال غير المقنن والمفتوح عبر الستالايت والنت ، وهكذا يتم خلق اجيال جديدة ، تتداعى تحت ضغط هذه الحياة ، وضغط من يعلنون الحرب علينا.

الحرب الخارجية باتت تأخذ اشكالا مختلفة. حروب الجيوش اكثر كلفة ، وما هو اقل كلفة على الذين يريدون سلب الناس دينهم وروحهم وارثهم الاجتماعي ، هو شن الحروب بوسائل بديلة.

يعرفون ايضا ان سلب النور من صدور الناس يؤسس لهزيمة كبرى فيتساقط القتلى كل يوم بيننا ونحن نتفرج ، فهي حرب بطيئة تتسلل الى بيوتنا دون ان نتوقف عندها.

لا يكفي الحديث عن اعداء ومؤامرات. علينا مسؤولية كبرى. بيننا من هو مساعد للعدو ومساعد للشيطان ، عبر تمرير كل هذه القصص ، او عبر السكوت عليها ، او عدم محاربتها ، وبيننا ايضا من يتبنى الليبرالية الاجتماعية التي تعني ايضا مسخ الضمير الديني.

تخاذل الاباء والامهات في ادوارهم في البيوت ، لصد هذه الحروب عن اولادهم ، ادى لتحويل التربية الى مجرد "طبخة الجمعة" الدسمة ، باعتبارها اكراماً للولد وللذرية.

بيع المخدرات بربع دينار لطلبة المدارس ، يأتي خلفه مخطط كبير يتجاوز وجود تجار مخدرات ، ويصل حد هتك هذه الاجيال وتدميرها ، لتصير ضائعة ، وفي احسن حالاتها مجرد اجيال تفكر بالتحصيل العلمي ، دون قضية كبرى او عقيدة.

ملف الواقع الاجتماعي بحاجة الى وقفة كبيرة من الجميع ، والا فان الجميع سيدفعون الثمن ، في هذه الارض المباركة والمقدسة والمستهدفة بلا ادنى شك من جهات كثيرة.

حروب يتم شنها علينا ، لكنها لم تجد لدينا سوى هشاشة في عظامنا ، فاستحكمت وتجذرت.. وبدت وتبدت،،.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور