اب يقتل ابنته ، ويرميها من فوق جبل ، وشقيق يقتل شقيقته ووالدته ، وام تقتل ابنها وابنتها ، خبر تلو خبر ، والجرائم في البلد باتت من نوع جديد.

طفل لقيط عند حافة شارع ، وطفل لقيط اخر ، عند باب مسجد ، وعلاقات محرمة آخذه بالارتفاع ، وسعار جنسي يغزو مكاتب العمل والبيوت والمدارس والجامعات.

عنف في كل مكان.اقل مشادة تؤدي الى قتل خمسة وجرح عشرين ، والقتل يحدث لاتفه سبب ، فقد يكون على كلمة قيلت ، او جراء مشادة بين طفلين في الاساس.

ارتفاع اسعار الخضار والفواكه ، وسلع كثيرة يتم استيرادها ، سترتفع مجدداً وخلال اسبوعين ، وارتفاع متواصل في اسعار الوقود ، ورسوم المدارس والجامعات ، تقول لك انك في وسط مجزرة.

الصحافيون والاعلاميون يموت اغلبهم بالجلطات ، لان كل الاخبار تأتي اليهم اولا ، وتأتي كما هي ، وقد تنشر مخففة في حالات كثيرة ، غير ان الجرعة الكبرى من السم يتجرعها الصحافي ويقدمها اقل سمية للقارئ ، ليس تزويراً للحقيقة ، بل لاعتبارات اخرى.

يقولون لك: لماذا لا تتحدث عن النصف الاخر من الكأس ، ولماذا لا تؤشر على الايجابيات ، وينسون ان الايجابيات امر طبيعي ، اما السلبيات فهي الشاذة ، التي توقف تدفق الدم في القلب.

كل الذي يثير اعصابك ، ان البلد تغير بشكل سريع ، وما هو محزن حقاً ، ان تترهل المؤسسة العامة ، وتتراجع كل القطاعات ، ويتم الاضرار بالمزايا النسبية للبلد من علاج وتعليم وطرقات وغير ذلك.

مقابل هذه التراجعات ، هناك ضنك معيشي ، وتوحش اجتماعي ، غير مسبوق ، اذ ان نسب تعاطي المخدرات كبيرة ، والعنف الاجتماعي يعصف بالناس ، والفقر ينخر الاف البيوت ، ومع ذلك نزعة استهلاكية جارفة لا تبقي ولا تذر.

البلد تغير.نعم تغير.وبسرعة هائلة ، والاعلام الذي كان تاريخياً يخفف من حدة الاخبار لاعتبارات يتعلق بعضها بالانطباع العام عن البلد ، لم يعد قادراً على هذه المهمة ، لان الشمس لا يمكن ان تتم تغطيتها بغربال.

السؤال يقول: لماذا بات الانسان فينا لا يتورع عن فعل اي شيء ، بعد ان كانت المحرمات لديه كثيرة ، والموانع اكثر ، واذ به مستعد اليوم لفعل اي شيء ، لاجل اي شيء ، والا ماذا نسمي من يقتل من اجل عشرين ديناراً؟.

اخبار البلد ، توّتر الاعصاب ، والذي يعرف ويسمع ويقرأ ، تدب العصبية في عروقه ، لسبب وجيه ، هو الشعور بالغربة وسط مجتمع لم يعد يعرفك ، ولم تعد تعرفه.

غابت البساطة عن الحياة ، وتفجرت الشهوات والمطامع والرغبات ، فيما الدين بات شكلياً ، ومجرد ركعتي جمعة ، لا تتركان اثراً على من يؤديهما ، وهكذا فان ما هو مقبل وآت ، اصعب بكثير من هذه الايام.

من الذي اختطف "البياض" من قلوبنا؟ والسؤال مفرود حتى اشعار آخر.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور