أبان الشهيد سيد قطب عن منهجه في الظلال, وطوابعه الموضوعية والفنية فجاء في صدر الجزء الأول «يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أن لكل سورة من سوره شخصية مميزة, شخصية يعيش معها القلب, وكما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس, ولها موضوع رئيسي, أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلي محور خاص, ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها, ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو. ولها إيقاع موسيقي خاص, إذا تغير في ثنايا السياق, فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة, وهذا طابع عام في سور القرآن جميعًا..»
 **********
 وأقبلتُ علي كل ما كتب سيد قطب, وما يكتب, وخصوصًا «في ظلال القرآن» الذي كان يصدر تباعًا في أجزاء, وكان الجزء يباع بخمسة قروش. وأصبح سيد قطب كاتبي الأثير. وفي بيتنا بالمنزلة (مسقط رأسي) خصصت حجرة لمكتبتي التي ضمت عددًا كبيرًا من الكتب في الأدب والشعر والفكر الإسلامي.
 وفي يوم من منتصف الخمسينيات - من القرن الماضي - عدت من القاهرة إلي المنزلة لقضاء عطلة الصيف بعد أن أديت امتحاني في السنة الثانية من كلية دار العلوم. وشعرت بصدمة عنيفة, وأنا أري رفوف مكتبتي لا تحمل كتابًا واحدًا... ورأيت في عيون أبي وأمي, وأفراد الأسرة نظرات فيها انكسار وإشفاق» فهم يعلمون مدي اعتزازي بكل ورقة من كتاب.... وصرخت هائجًا بصوت مرتعش:
- أين كتبي؟... أين كتبي..؟
وبدأ أبي يهدئ من ثائرتي:
- معلهش كل شيء.. يتعوض إن شاء الله..
- يتعوض؟؟!!... يتعوض يعني إيه؟
- يا ولدي انت عارف إنهم يقبضون علي الإخوان... ودول ناس «جبارين»... لا يعرفون الرحمة, فاضطررنا إلي....
ولم أتبين بقية كلمات أبي... فقد دارت بي الدنيا, واستنتجت ما حدث.. - وهو ما تأكد لي فيما بعد- فقد نقلوا الكتب علي دفعات... وحرقوها دفعة دفعة في «فرن» بلدي, ببيت أحد أقاربي المجاورين.
 ولا أستطيع أن أصور عمق حزني آنذاك.. إنه كحزن من فقد أبناءه جميعًا في محرقة لم تبقِ منهم حتي الرماد. وكان حزني علي أجزاء «في ظلال القرآن» أشد وأعتي, وذلك لأنني سجلت علي هوامشه ملاحظات وتعليقات كثيرة جدًا, حاولت -فيما بعد -استعادة بعضها فعجزت عجزًا مطبقًا, وكأن شدة الصدمة قد قتلت قدرتي علي التذكر والاستعادة.
 **********
ولكن وجه الخير في هذه المحرقة أنها ألهبت مشاعري بمزيد من حبي لسيد قطب, وعمّقت إيماني بقلمه مفكرًا إسلاميًا, وأديبًا وشاعرًا وناقدًا, فنال من إقبالي واهتماماتي الحظ الأوفي.
 وفي سنة 1971 (أي بعد تخرجي في كلية دار العلوم بثلاثة عشر عامًا) أُعرت للعمل بدولة الكويت لمدة أربعة أعوام . وكان من مهامي تدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية - بجامعة الكويت- للطلاب الأجانب.
 وكنت أشعر بالسعادة وأنا أري هؤلاء الطلاب وفي أيديهم كتب سيد قطب مترجمة إلي الإنجليزية والفرنسية والملاوية... وغيرها. وسألت بعضهم عما يعرفونه عن سيد قطب, فاكتشفت أنهم يعرفون عنه, وعن الإمام الشهيد حسن البنا الكثير والكثير. لقد صدق الشاعر العربي الذي قال:
 وإذا   أراد  اللهُ   نشرَ فضيلة      طُويت  أتاح  لها  لسانَ حسود
 لولا اشتعال النار فيما جاورت     ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود
 **********
رحم الله سيد قطب» شهيد الإسلام والفكر والإنسانية, فمن فضل الله علينا وعليه وعلي المسلمين أن الدعوة التي آمن بها, وعاش لها, واستشهد من أجلها انتشرت علي أوسع نطاق علي أيدي طائفتين متناقضتين من البشر:
الطائفة الأولي: تلاميذه, ومريدوه, ومن تربوا في مدرسة الإخوان.
والطائفة الثانية: طائفة الحقدة والحاسدين الذين تمنوا بعض ما رزقه الله, فخابت أطماعهم, وأبوا إلا تجريحه, والإزراء بما أعطي وقدم من فكر وأدب.
 وبحقدهم هذا فتحوا عيون الآخرين علي سيد قطب, فبحثوا عن الحقيقة, وقرءوا سيد قطب, وجهده وجهاده, وعطاءاته القرآنية والأدبية, فعلموا ما لم يكونوا يعلمون. وارتفع سيد وفكره في أنظارهم, وأنوف الحاقدين في الرغام.
 **********
 لقد قرأت كل ما كتب الشهيد سيد قطب, وكل ما كتب أثير عندي, ولكن كان للظلال مكانة خاصة في قلبي وعقلي فقد صاحب معه في المحرقة تعليقات كثيرة سجلتها علي هوامش الأجزاء التي قرأتها منه. وقد يرجع هذا التقدير لمنهجه الجديد الذي لم يُسبق إليه, ولما يتسم به أداؤه التعبيري من جماليات في التصوير, وبراعة في التعبير, ووجدان متوهج صادق, مما يتفق مع حبي للأدب, واشتغالي به.
 **********
وبعد إعدام الشهيد سيد طُبع الظلال عشرات الطبعات في البلاد العربية, وظهر كاملاً في مجلدات, وكانت فرصة لبعض دور النشر (التي تحولت إلي دور نشٍل) لتحقيق ثراء فاحش بطبعه دون استئذان الورثة, أو شقيقه «محمد» علي الأقل.
 وفي مطلع السبعينيات - من القرن الماضي وقد كنت في الكويت- قرأت الظلال كله.. لم تكن قراءة عادية, ولكنها كانت معايشة.. نعم معايشة خرجت منها بعدة انطباعات علي رأسها: إيماني اليقيني بالدلالة العظمي للعنوان «في ظلال القرآن».. فآمنت شعوريًا وروحيًا أنه تعبير لم يجاوز الواقع إلي المجاز.
 وأشهد الله أنني ما جلست إليه قارئًا إلا وسيطر عليّ شعور بأنني أخذت مجلسي علي ربوة وثيرة, تحت سرحة وارفة الشذا والظلال, وأن نسيمًا رقيقًا لطيفًا يلامس وجداني في حنان وضيء. وأن زخات من الرضوان الرحماني تخلعني من الزمان والمكان, وتزيدني شفافية.. كلما مضيت في الظلال.
 وأذكر أنني حاولت أن أسجل خواطري علي هوامش الظلال, ولكن ذكري المحرقة التي أقامها أهلي في منزل الأسرة بالمنزلة قبل تخرجي في دار العلوم.. هذه الذكري أسقطت القلم من يدي بقوة خفية قهارة.
 **********
 وحديثي عن الظلال يذكرني بواقعة مؤسفة تتلخص في أن أحد العلماء المصريين زار الكويت سنة 1974, وهو معروف عنه في كتاباته بانتصاره للتراث العربي, وحملاته علي التغريب, وأنا أشهد له بذلك.
 ومعروف أن «الديوانيات» لازمة من لوازم المجتمع الكويتي.. والديوانية قاعة واسعة تُفتح مساء كل خميس, ويحضرها من يشاء, وهم غالبًا من أهل الأدب والعلم, وذوي الوجاهة في المجتمع, ويناقَش فيها موضوع أو موضوعات متعددة.. بصورة عفوية, والكلام ذو شجون.
ورحب صاحب الديوانية بالعالم الضيف. ونقل إليّ أكثر من واحد تفاصيل ما حدث: كان «العالم» هو المتحدث الرئيسي.. بل المتحدث الوحيد, وبدأ بداية سيئة بالهجوم الشديد علي الإخوان ومرشدهم حسن البنا. ووصفهم «بالعمالة», وقدم الدليل «الحاسم جدًا» علي هذه الإدانة بأن جماعة الإخوان نشأت في منطقة الإسماعيلية حيث يهيمن المستعمرون الإنجليز . فلما اعترض أحد الطلاب الجامعيين بقوله: هذا شأن كل الدعوات تنشأ في مناطق صعبة, وبلاد عديمة الإيمان.. شأنها شأن مكة.. نهره الأستاذ الكبير بحدة.. وصرخ في وجهه: أتشبه حسن البنا برسول الله صلي الله عليه وسلم؟!.. يا «أخينا أنت».. يوم ما تعرف إزاي تتطهر من النجاسة.. «ابقي» تعال جادل أسيادك. وانسحب الطالب من الديوانية, ومعه عدد من الحاضرين, وهم يشعرون بالأسي والحزن.
 ولما سأله أحدهم عن رأيه في ظلال القرآن, امتقع وجهه, وانطلق يجرّح «سيد قطب» بألفاظ لا تصدر من مسلم يملك الحد الأدني من الذوق والأدب, مما يدفعنا إلي إغفالها, وكان أكثر ما قاله اعتدالاً هو: الإخوان دول «دوشونا» بما يسمي «في ظلال القرآن», وأنا أتحدي أي واحد يريني أين «التفسير» في كتاب قطب هذا؟!!
 ولم يعلق صاحب الديوانية علي أية كلمة مما قاله «الضيف الأستاذ», تأدبًا منه وكرمًا.. قال واحد ممن نقل إلينا الواقعة المؤسفة: قطعًا الرجل لم يقرأ "في ظلال القرآن" ، ولو قرأه لغيّر رأيه.
قلت: بل قرأه قراءة جيدة, وفهمه فهمًا دقيقًا, ورأي ما فيه من تفوق سيد قطب وعبقريته, ولكن الحسد أكل قلبه, وطمس عقله» فالرجل لا يملك سماحة العالم ونبله, وسعة صدره . ومع ذلك أقول: «شكرًا» للرجل «الأستاذ جدًا» إذ فتح بحقده من حيث لا يقصد علي دعوة الإخوان, وعلي سيد قطب.. وما كتب,
عيون الناس وعقولهم وقلوبهم, وخصوصًا «في ظلال القرآن».
 **********
 وبعد إعدام سيد قطب رحمه الله عملت الأقلام عملها, ولا أقصد الأقلام المريضة التي تكتب في الصحف الصفراء الكالحة, ولكني أقصد ما شاهدته من كتب مطبوعة طباعة فاخرة, في بعض البلاد العربية, وتباع بأسعار رمزية, وكلها مطاعن في الإخوان ودعوتهم, وقادتهم, ونال سيد قطب منها النصيب الأوفي: فهو باطني, يدعو إلي عقيدة «الحلول» ووحدة الوجود, وهو يناصر دعوة عبد الله بن سبأ اليهودي, وأنه عاش طيلة حياته رقيق الدين, مستهينًا بالعقيدة. وأنه.. وأنه... ولو صحت هذه الافتراءات التي كتبها «علماء»(!!!) لكان سيد قطب زنديقًا مارقًا من الملة والعياذ بالله.
 **********
وسئل شيخ مشهور عن قراءة كتاب "ظلال القرآن" ؟ 
فقال: (وقراءة الظلال فيها نظر لأن الظلال يشتمل على أشياء فيها نظر كثير، وكوننا نربط الشباب بالظلال ويأخذون ما فيه من أفكار هي محل نظر. هذا قد يكون له مردود سيئ على أفكار الشباب. عندنا تفسير ابن كثير، و تفاسير علماء السلف الكثيرة، وفيها غنى عن مثل هذا التفسير. وهو في الحقيقة ليس تفسيراً، وإنما كتاب يبحث بالمعنى الإجمالي للسور، أو في القرآن بوجه عام. فهو ليس تفسيرا بالمعنى الذي يعرفه العلماء من قديم الزمان ، وهو شرح معاني القرآن بالآثار، وبيان ما فيها من أسرار لغوية وبلاغية، وما فيها من أحكام شرعية. وقبل ذلك كله بيان مراد الله سبحانه وتعالى - من الآيات والسور. 
أما "ظلال القرآن" فهو تفسير مجمل نستطيع أن نسميه تفسيراً موضوعياً فهو من التفسير الموضوعي المعروف في هذا العصر، لكنه لا يُعتَمد عليه لما فيه من الصوفيات، وما فيه من التعابير التي لا تليق بالقرآن مثل وصف القرآن بالموسيقى والإيقاعات، وأيضاً هو لا يعنى بتوحيد الألوهية، وإنما يعنى في الغالب بتوحيد الربوبية . وإن ذكر شيئاً من الألوهية فإنما يركز على توحيد الحاكمية، والحاكمية لاشك أنها نوع من الألوهية لكن ليست وحدها هي الألوهية المطلوبة، وهو يوؤل الصفات على طريقة أهل الضلال. 
وسيد قطب جاهل،ما عنده علم ولا عنده معرفة ولا عنده أدلة على ما يقول، وسيد ليس عنده دليل واحد على ما يقول من تكفيره لعموم المسلمين .
ومما يؤسف له أن نرى مساء الخميس 2/7/2009 جمال البنا الذي يقدمه طبيب في برنامج بقناة دريم 2 ويصفه بـ "المفكر الإسلامي الكبير" عارضا ما كتب ، ووصف جمال تفسير سيد قطب " في ظلال القرآن" بأنه لابأس به ولكن عيبه الشديد أنه سيطرت عليه فكرة الحاكمية لله .
**********
ومرة أخري حققت هذه الدعاوي والادعاءات الكاذبة عكس ما تغياه أصحابها, وأصبح لدعوة الإخوان وسيد قطب وجود وكيان في هذه البلاد,. . .
 إنها محارق ثلاث أقيمت لدعوة الإخوان وكتبهم وكتب سيد قطب: المحرقة الأولي كانت بدافع الخوف عليّ من حكومة الميمونة,أعني انقلاب 1952 وهي تلك التي أقامها أهلي فأتت علي مكتبتي بالمنزلة .
والمحرقةالثانية محرقة كلامية, تولّي كبرها بألسنة حداد بالتجريح والكذب «الأستاذ» زائر الكويت, ومن دار في فلكه. والمحرقة الثالثة «محرقة قلمية» تمثلت في الكتب الفخمة التي أشرت إليها آنفًا, وهي تنضح بالكذب والتجريح لسيد قطب والإخوان. وكذبوا.. وهم بمحارقهم لا يحرقون إلا أنفسهم المخروبة, ومنطقهم الهش المنتفش . " ...فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ... "الرعد17
 

المراجع

الموسوعة الالكترونية العربية

التصانيف

أدب  مجتمع