يتحدث القذافي إلى الأمريكيين بلغة لايفهمونها في العالم الغربي ، وهي لغة العشاق البائدة منذ زمن بعيد ، وإذ يقول إن الشعب الليبي يحبه ومستعد للموت من إجله ، تتأثر بمرارة أمام هذه اللغة الغريبة.
لا تسمع مفردات عن عشق أي شعب لحاكمه ، إلا في عالمنا العربي ، وتسمع الزعيم أيضاً يقول إنه يحب شعبه ويعشقه أيضاً ،، وما بين العاشق والمعشوق تتبدى العبودية بأبشع صورها في هذه الدنيا.
هذه مفردات تليق بعشاق الليل والأحمر من الملذات ، وبالهائم على وجهه حباً لامرأة ، أو بالدائرة على حل شعرها عشقاً برجل ، وتليق أيضاً بالسكارى المترنحين ، ممن تحكمهم الأهواء حباً أو كرهاً ، لا بمن يستخدم عقله لاتخاذ أي موقف كان اتجاهه.
مفردات الحب والعشق لا تليق أساساً كعنوان لعلاقة انسان مع حاكم ، وكأن المفردة تعبر عن زيجة علنية أو سرية ، أو حب في الظلام ، ولربما تقودك الى انواع الأنكحة السياسية من مسيار أو عرفي الى متعة أو شرعي.
في دول أخرى في العالم ، تسمع الشعوب تنتقد الحاكم وتقول إن الحكم يدير الوضع جيداً أو انه يخطئ وهكذا تتبدى مصطلحات لغوية مرتبطة بالعقل لا بالعاطفة.
هل سمعتم فرنسياً ذات يوم أو بريطانياً يقول إنه يحب ساركوزي أو يعشق ملكة بريطانياً؟ وهل سمعتم حاكماً غربياً يتحدث بغير لغة الحقوق والواجبات أو ينزلق ليقول إنه يعشق شعبه وكأنهما في فراش واحد،.
عرب العشق يقولون في تعبيراتهم هنا وهناك إن البوعزيزي حرق نفسه كرهاً بزين الهاربين وإن شعباً آخر مستعد لحرق نفسه حباً وعشقا لحاكمه حتى تخال أن كثرة من عربنا ما زالوا في عالم آخر قائم على العشق والغرام ونقيضه من نفور وكراهية.
بين الصورتين هناك عربي سيحترق إما كرهاً للحاكم أو عشقاً له ، وكأن الاحتراق قدرلا بد منه في كل الأحوال.
ما شأني بالعشق والحب والغرام في تقييمي لعلاقات الحاكم بالمحكوم فالتقييم يأتي على أساس الأداء فقط صواباً كان أم باطلا أما العلاقات العاطفية فتليق بذكر وأنثى لا بحاكم ومحكوم؟،.
في غضبة الشارع الإسباني واليوناني والبريطاني قبل شهور ضد القرارات الاقتصادية ، لم نسمع أوروبياً واحداً يقول مفردة حب او كراهية ، وكل القصة كانت تعبيراً عن حقوقهم وما يريدونه في وجه قرارات اعتبروها خاطئة.
في مسيرات الغضب ضد الأنظمة تسمع هتافات من قبيل "إننا نكرهك أيها الحاكم" ، وتسمع فرقاً مؤيدة للحاكم تخرج وتردد وتقول: "نحبك يافلان" أو "بالروح والدم نفديك يافلان" وكأننا أمام صلاة لصنم حاكم يرقصون له ويقدمون الأضحيات من دم شعوبهم.
في ليبيا خرج عشاق القذافي ليقولوا: الله معمر ليبيا. وكثر الله خيرهم لأنهم تواضعوا فجعلوا الحاكم ثانياً ، هذا على الرغم من ان قراءة اخرى ملتبسة تكاد ان تقول على السنتهم: "الله معمر" في مقام من تأليه البشر.
تقييم أي وضع يجب ان يبتعد في العقل والضمير والموقف واللغة عن مفردات أكل منها الدهر وشرب ، وكأننا ما زلنا في زمن قيس وليلى ، والعربي لا يعرف في الأغلب إلا أن يحب أو أن يكره ليغيب بين الحالين العقل كفصل وفيصل.
حذاء الحاكم العربي في الأغلب فوق عنق شعبه وما هو مؤسف أن ترى شعوبنا تدير موقفها على أساس الحب والعشق ، أو الكراهية والحقد بدلا من التقييمات الموضوعية التي تؤدي إما الى ثبات الحاكم أو رحيله.
مفردات الغرام مكانها همهمات المراهقين بينما علاقات الشعوب والحكام تخضع لقواعد المساءلة والمحاسبة والقوانين والحقوق والواجبات.
متى يأتي الزمن الذي تصبح فيه دولة الحقوق والواجبات البديل لدولة المكارم والأعطيات وتصبح فيه علاقة الحاكم والمحكوم على أساس محدد بعيدا عن قصة احبك وتحبني.
فعلوا كل الذي فعلوه وهم يقولون إنهم يحبون شعوبهم ، فكيف بالله لو كانوا يكرهوننا ؟،.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور