يتصل بي احدهم ست مرات مهدداً بحرق اولاده امام رئاسة الوزراء، لانه قد يخسر «مطعم الفول» الذي استأجره في الزرقاء، قبل سنوات، فلا تعرف ماذا تقول له امام التهديد.

يحمل آخر يافطة مكتوبا عليها «ابني للبيع»، واذ تسأله عن السبب يقول لا قدرة لي ان انفق عليه، وتقرأ رسالة ذات يوم من نجل شهيد يقول غاضباً قبر ابي الشهيد معروض للبيع، وحين تسأله عن السبب يروي لك حكاياته مع الفقر.

في مسيرة هنا وهناك تقرأ يافطات مكتوبا عليها «وطن للبيع» واخرى «اردني للبيع» وهكذا تتكاثر الشعارات المهددة ببيع الانجال والكريمات، وصولا الى حرقهم، وذر رمادهم في الاودية العتيقة.

في قصة اخرى ترمي ام اولادها قرب مؤسسة كبرى معروفة، وتقول لا اريدهم، واولادي معروضون للبيع لان والدهم طلقني، ولانني غير قادر على الانفاق عليهم، فيتم اخبار الجهات الرسمية، التي تأتي وتحمل «كومة اللحم» المرمية على جنبات الطريق.

كلنا يعرف حالة الناس الصعبة جداً، لكنني ضد هذه السلوكيات المريضة، اذ ما هو ضمير الاب الذي يعرض ابنه للبيع، او يهدد بعرض ابنه او ابنته للبيع، او حتى يحمل يافطة ليعبر عن قضية تحت عنوان «اردني للبيع».

هكذا معالجات هي اسوأ من ذات المشكلة، فلا شرع ولا دين ولا اخلاق تسمح لانسان بحرق اولاده او حرق نفسه، او عرض عائلته للبيع، وهي لا تعبر عن مرارة المشكلة، بقدر تعبيرها ايضاً عن سفاهة صاحب المشكلة.

هذه النمطية تقودك ايضاً الى الذين يهددون بالانتحار من اجل الحصول على وظيفة، والذي يصعد على برج او عمارة مرتفعة، ليهدد بالانتحار، كان اولى ان يوفر طاقته الجسدية في الصعود الى اعلى برج اتصالات، ويستغلها في وظيفة مهما كان دخلها.

هل هذه النمطيات تقليد اعمى لشعوب اخرى، ام انها طبيعية، واين ذهبت الحصانة الدينية والاجتماعية، التي تمنع الانسان، حتى في اسوأ ظروفه وحالاته، ان يهدد بالانتحار او حرق اولاده، او يحمل يافطة يقول فيها ان ابنه معروض للبيع.

اذا كان هناك من يستحق البيع فعلا، فهو ضميرنا الذي اوحى لنا بأن كل شيء مباح، من اجل الوصول الى العدالة او المساواة، او من اجل العيش برغد.

الاردني ليس للبيع، مهما كانت احواله، والتعبير عن احوالنا، لا يكون بهكذا وسائل مخزية، تدين صاحبها، قبل ان تؤشر على عدالة قضيته.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور