بدأت الحكومة الماحاتها الرقيقة الحافلة بالرسائل المبطنة التي من ابرزها أن الدعم المالي في الموازنة، يذهب لنسبة غير مستحقة تتجاوز الستين بالمائة من الحاصلين على الدعم، وان هذا الدعم غير شرعي ويتوجب توجيهه بطريقة مختلفة.

هذه النغمة حاولت حكومات سابقة ترويجها، من باب ان سعر اسطوانة الغاز المدعوم يستفيد منه الاردني والعراقي والعامل المصري والهندي، والمقتدر وغير المقتدر، ويستفيد منه ايضاً، الفقير والمتعوس، وفندق الخمس نجوم والسفير الاجنبي.

يقولون: سعر اسطوانة الغاز العادل يقترب من اثني عشر دينارا، ويعطونك ادلة على ان هذا الرقم يبقى منخفضاً مقارنة بسعرها مع دول الجوار، في توطئة لتحرير سعرها.

هكذا يخبرون بل ويختلفون حول معنى السلع المدعومة اذ ان هناك وزراء يعتبرون الدعم ينحصر بسعر اسطوانة الغاز والعلف وبعض السلع، ويتشاطر آخرون ويعتبرون ان لمبة الاضاءة في الشارع جزء من عملية الدعم للمواطن، والرسوم الجامعية التي برأيهم "مُخفضة" جزء من عملية الدعم للمواطن.

اياً كان المقصود بالدعم، فان الحكومة وفقاً لما يتسرب تريد الربط بين هيكلة رواتب القطاع العام والمتقاعدين بحيث تتم زيادتها، وفي توقيت متقارب يجري رفع الدعم عن سلع كثيرة، والغاء اعفاءات ضريبية على سلع غذائية والنتيجة: ارتفاع الاسعار في البلد.

حكوماتنا تقول نحن لسنا اقوى من اليونان وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وامريكا، وهي دول تخلت عن برامج الدعم والمخصصات الاجتماعية، وسلكت طريقاً صعباً لانقاذ اقتصاداتها، عبر رفع الاسعار.

يستشهدون بالاسوأ ويقولون ان الحكومة القبرصية جمّدت رواتب موظفي القطاع العام لسنتين انقاذاً للجزيرة المقسمة من الانهيار، ويتناسون ان حكوماتنا لم تقدم لنا في الرخاء عشرة بالمائة مما قدمت حكومات هذه البلدان في رخائها لشعوبها.

هذا تحذير شديد اللهجة، ان جاز لنا التحذير، من تزامن رفع رواتب العاملين والمتقاعدين، مع رفع الدعم عن السلع والغاء اعفاءات ضريبية عن بعض السلع، وعلى الحكومة ان تتصرف بقلب وان لا تلغي حسابات الرحمة في تصرفاتها.

اوضاع الناس سيئة، ومعظم الطبقة الوسطى تم سحقها، هنا، وتلك الطبقة التي تعيش على حوالات المغتربين، تواجه ظرفاً صعباً بسبب ظروف المغتربين، وفوق ذلك لا يمكن المساس بطبقة الموظفين في القطاعين العام والخاص، وفوقهم جموع المتقاعدين.

حياة الناس باتت صعبة جداً، خمسون بالمائة من الاردنيين يعملون برواتب تحت الثلاثمائة دينار، واكثر من عشرين بالمائة يعملون برواتب تحت المائتي دينار، ومهما كانت زيادات رواتبهم، فهي لن تغطي فروقات الاسعار التي ستحرق الاخضر واليابس.

جزء من "زهايمر الحكومات" لدينا انها لا تفكر الا في موظفيها، وكأن بقية المواطنين مستوردون او لا قيمة لهم، ولا احد يفكر بوضع عشرات الاف العاملين في القطاع الخاص، الذي يعاني ايضاً من ركود قاتل وتراجع عز نظيره, لا احد يجبر القطاع الخاص على زيادة رواتب موظفيه، واغلب من فيه لا يحصلون على رواتب مرتفعة، وفوق ذلك حلت على القطاع الخاص لعنتان الاولى تحديد حد ادنى جديد للاجور في قطاع متعثر، والثانية قانون المالكين والمستأجرين الذي سيؤدي الى اغلاق الاف المحال التجارية.

اذهبوا وطبقوا خطة اقتصادية تؤدي الى التقشف الشديد في تلك الملايين الحكومية المهدورة، وفي تلك الاموال المنهوبة التي لا يتم استردادها، وفي تلك الوسائل الاكثر نجاعة لمحاسبة الفاسدين، بدلا من صب البنزين على نار الحراكات والمسيرات في البلد.

كل ما نخشاه ان يكون شعار الناس بعد الزيادات المرتقبة "يا فرحة ما تمت" لانهم سوف يكتشفون قريباً ان هناك سلسلة اجراءات اقتصادية صعبة وقاسية، اخّرتها الحكومات السابقة، وتواجهها الحكومة الحالية.

بهذا المعنى ستكون زيادات الرواتب، اعادة انتاج لشكل الدعم، لا اكثر ولا اقل، وعلى ما يبدو فان حكوماتنا تظن ان الشعب هو فقط من نراه سائحاً في مولات عمان، او عابراً لمطارها البديع.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور