مفتي الديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين قال إن على المسلمين زيارة القدس حتى لو كانت تحت الاحتلال، لأن زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان، وهو بهذا الكلام يحث العرب والمسلمين على عدم ترك القدس والمقدسيين لوحدهم.
جاءت تصريحات الشيخ حسين خلال زيارة قام بها رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي الذي زار والوفد النيابي القدس والاقصى ومدنا فلسطينية اخرى قبل ايام في زيارة ليست الاولى لرئيس مجلس نواب اردني.
المفتي قال معلقاً على الزيارة"اننا لا نملك إلا أن نقول لكم ان زيارة السجين لا تعني تطبيعاً مع السجان، فهذه زيارة تأتي في اطار الدعم للمسجد الاقصى قبلتنا الاولى وللمدينة المقدسة بشكل عام وللشعب الفلسطيني".
هذا رأي لعالم جليل ومعروف لا يمكن الطعن بمصداقيته ولا دوافعه، وقبله كان الشيخ يوسف القرضاوي وهو عالم جليل ومعروف ولا يمكن ايضاً الطعن بمصداقيته واخلاقه قد اصدر فتوى بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال تحريماً عظيماً. انذآك وبعد فتوى القرضاوي رد عليه وزير الأوقاف الفلسطيني وقال: "زيارة المسلمين للقدس حتى وهي تحت الاحتلال تتشابه مع زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسجد الحرام بعد صلح الحديبية وهو تحت حكم المشركين، والأصنام تنتشر بالعشرات داخل الكعبة المشرفة وحولها".
اضاف الوزير "لم يقل أحدٌ إن ذلك كان تطبيعاً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين أو اعترافًاً بشرعية حكمهم لمكة المكرمة بل كان تأكيدا لحقه في المسجد الحرام". امام هذا المشهد تتناقض الآراء الدينية والفتاوى، فالبعض يرى بزيارة القدس تأكيداً على عروبتها ودعما معنوياً ومالياً وسياسياً لأهلها من اجل حماية القدس وان زيارتها تعني في المحصلة حماية المدينة واهلها.
البعض الآخر يرى بزيارتها تحت الاحتلال عبر الحصول على تأشيرة اسرائيلية او تصريح دخول الى الضفة الغربية تثبيتا للاحتلال واعترافا بشرعيته وسلطته واحتلاله.
في المحصلة تتناقض فتاوى الشيوخ على الرغم من أن الدين واحد والأصل الشرعي واحد لكن وجهات النظر تتصارع وتتلاكم.
مؤيدو زيارة القدس يعتقدون أن من يفتي بتحريم الزيارة يريح اسرائيل عملياً ويحميها بشكل مباشر من تدفق العرب والمسلمين بينما من ُيحّرم الزيارة يرى في فتوى اباحة الزيارة خدمة لإسرائيل لأن طوابير العرب والمسلمين ستطبّع مع العدو من اجل تأشيرة
. هكذا اذن تضيع القدس ويتم تهويدها يومياً، وعلماؤنا ما زالوا يختلفون حول اباحة الزيارة او حرمتها ولا تعرف أيا منهما الرأي الصواب الذي يحمي القدس عمليا او ذاك الرأي الذي يحمي اسرائيل ضمنيا.
أليست تلك احدى مهازل الانقسام في الرؤية الدينية تجاه اخطر قضايانا، واذا كنا لا نتفق حول رأي شرعي موحد ازاء قصة مثل الاقصى والقدس فكيف سنتفق ازاء القضايا الاكثر جدلية وصعوبة وكيف ستتوحد صفوفنا ايضا؟ | .
لست بوارد الافتاء ولست صاحب علم شرعي لإقرر أي الرأيين اكثر دقة وصوابية، لكننا نحزن بشدة امام هذا الانقسام، فالمفتي الذي يعيش في فلسطين وهو ادرى ميدانياً بوضع الناس يحث على الزيارة ومقابله المفتي الذي يعيش في الدوحة يحرم الزيارة | |
لكل واحد منهما مشربه، ونص الحديث الذي يسانده وتفسير القرآن الذي ُيسخره لتبرير فتواه والحادثة التاريخية التي يتم استدعاؤها لدعم رأيه ولكل واحد رؤيته السياسية التي يبحث لها عن مظلة دينية لتدعيمها. القدس على مشارف الهاوية والضياع، وشيوخنا مازلوا يتجادلون حول زيارة القدس، وهذا نموذج من مئات نماذج التناقض والاختلاف في الآراء الشرعية والأدهى ان يقال ان في الاختلاف "رحمة" لكننا نرى في الاختلاف شقا للصفوف واثارة للانقسام.
بعد عشر سنوات قد نحتاج لفتوى نارية من التيارين رداً على سؤال يقول: ما حكم اكل الكعك المباع عند باب العامود وجواز حمله من خلال المسافرين الى الاردن او مصر مثلا وعلينا ان نتوقع حرباً من الفتاوى المؤيدة والمعارضة؟ | .
لعنة الاحتلال واحدة ولعنة خلافاتنا الشرعية عن لعنتين، وفيما نواصل التراشق بالفتاوى تواصل اسرائيل تهويد المدينة الحبيبة تاركة لنا نعمة الخلاف والاختلاف حول كل شيء من فوائد المسواك وصولا الى بركة الثوب القصير | | .
ماهر ابو طير.
المراجع
addustour
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور
|