... يطل العيد على أمتنا الإسلامية وهي تعيش في ضعف وتمزّق وهوان واحتلال من الأعداء الغاصبين في الشرق والغرب من بلاد المسلمين.
وإن كان هذا الأسى يفيض علينا بكثير من الآلام والشجون، فما رؤية الشاعر لذكرى العيد؟ ومن أي نافذة يطل شعراؤنا في حنينهم لأعياد المسلمين؟ وبمَ يخفق قلب شاعرنا د.عدنان النحوي في تحنانه للعيد؟ وهل أضحت أعيادنا توحي بالأحزان بدل الأفراح ؟! ومتى تعود أعيادنا وقد تصالحت الأمة مع نفسها وشعوبها، وحققت أمانيها بالرفعة والتقدم والقوة في عصر لا مكان فيه إلا للقوي؟! ولعلّ في مشوارنا بين حدائق الشعر في ذاكرة شاعرنا الإسلامي د.عدنان النحوي ما يجيب عن بعض هذه التساؤلات وغيرها.
ففي قصيدته: "عيد في فلسطين" يسلمنا لنداء موجع منذ البداية:
أيّها العيدُ أين منـك الوعـود
طال فيك الرّجـــاء والترديـدُ
بَسَمَ الكون إذْ طلعــت عليــه
وزها في مديحـــــك التغريــدُ
كُلما أقبلت صروف الليــالي
غرّدت بالفؤاد مـــنك العهـود
هل شجاهُ خفق البنود إذا مــا
رجّعت خفقها هــــــنالك بيــدُ
هل شجاه أعطافُ ملك تنـاءت
حين كان الإسلام منها العمود
ذاك عهد مضى! وما كان فيـه
من يقاســي، ولا تأسّى شريـد
حين جمّــــع العروبــة ديـــن
وديار، فذاك ثمَّة عيــــــــد
هي ذكرى بين الفرات وبين النـ
يل منها دفعٌ ونوحٌ شديـــــدُ
هي ذكرى ما بين أندلسٍ والــ
شرقِ قد تم أمرها المشهـود
أمة الحق! ما دهاكِ وأوهـــى
جمعك الصدعُ واستتبَّ الجمودُ
يبدأ هنا العيد من فلسطين (الأسى والجرح) الذي يؤرّق كل مسلم.
وفي العيد الحقيقي زهو وابتسام وفرح، وفيه مواعيد دائبة من البهجة وصلة الأرحام، فيه مرح الصغار والكبار، هكذا الأصل في الأعياد كما يخبرنا شاعرنا الإسلامي عدنان النحوي!، ولكن هل أعيادنا هي كذلك؟! إن القصيدة التي بين أيدينا تجيب عن هذا السؤال بكل لوعة وحزن، فقد عادت أعيادنا مشاهد من المعاناة والتشرد والقسوة، وقتل المسلمين في ديار شتى، ويمكن أن ننظر حولنا إلى المجازر اليومية بحق إخواننا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان!
ولكن ما العيد الذي يراه شاعرنا عيداً حقيقيًّا؟ إنه العيد الذي يجمع العرب والمسلمين على دين واحد وديار موحّدة ما بين الفرات والنيل وحتى الأندلس التي أضعناها منذ قرون!.
ويمعن الشاعر د. عدنان النحوي في إشهار الأسئلة النازفة في أبياته السابقة مستحضراً الزمان والمكان الموغلين في الأوجاع من خلال تكرار عبارات وألفاظ تحمل أشجانه الخاصة والتي لا تنفصل عن أشجان الجماعة فنجد : (صروف الليالي، الوعود، العهود، ذاك عهد مضى، هنالك بيد، ديار، الفرات والنيل، الكون، الأندلس، الشرق..).
وتظل القصيدة مفتوحة النوافذ على زمان آتٍ موجع، ومكان مترع بالأسى.
أما قصيدته ( ما العيد إلا لحرًّ لم يهن أبداً) فهي تنهض من شموخ الهوية الإسلامية حتى في عنوانها، توحد بين الصفة والموصوف لتحصر العيد الحقيقي بحرّ شجاع شامخ أبداً، وتمتد القصيدة في خيوطها الفنية معتمدة على التكرار، ولعل هذا التكرار من جماليات الفن الشعري عموماً لدى النحوي، فقد كرر العيد (ست مرات) والذكرى (أربع مرات) والأيام (خمس مرات) وهو مازال يلح على الزمان كثيراً فيؤلمه ويعذبه ويزيده حزناً وسهرًا، لا سيما في أيام العيد ! إن شاعرنا (عدنان النحوي) يخاطب وجداننا ويضيء نفوسنا بهدي الإسلام، وهو يشعل جراحاتنا من ذكريات العيد فيسأل بألم وحرقة:
هل عدت بالأمل المحبوب يا عيدُ
عودٌ سعيد فهل في العيد تجديد
ما زلت أرجع للذكرى فتؤلمني
وفي التذكّر تـــــعذيب وتسهيـد
ما زلتُ أذكر أياماً مضت وخلت
والعز فيها على الأرجاء ممدود
قد كان يجمـــعنا دين ويسعدنــا
عيد ويوم من الأيام مشـــهـود
لم يبق فيه حزين في مُلّمتـــه
ولا تشتـت في البلدان منكـود
ما العيد إلا إذا قامت دعائمنـا
وفوقها عـــلم للدين معقــود
ما العيد إلا لحر لم يهــن أبداً
ولا بدا وهو في الأغلال مصفود
أيام هارون تدعوني فأندبهــا
وأشتكي كيف أن الوصل محدود
حدائق الشام والفسطاط أغنية
وأرض أندلس ذكرى وتمجيــد
شاعرنا عدنان النحوي ينطلق دائماً من همّ الجماعة، ويحلمُ بحريتها وعزتها ونصرها على الأعداء، وانظر إلى استخدامه للنداء (نحن) : (يجمعنا، يسعدنا، دعائمنا) وفي ظل ذلك يعيدنا للمفارقات المترعة بالأسى بين ماضٍ لعيد سعيد كان يأتي والأمة موحدة تعيش في أمجادها وعزها الممتد في أرجاء المعمورة، وقد عقدت لواء الدين خفّاقاً، وبين حاضر لعيد حزين قد أتى وشعوبنا مشردة، وأمتنا ضعيفة ممزقة، ونحن نجتر الذكريات المؤلمة مهزومين أمام الأعداء!.
وتبقى القصيدة في لغتها ومعانيها تقتبس من معين القرآن الكريم، ولعل الكثير من قصائد شاعرنا النحوي تنهل دائماً من المعجم القرآني مضموناً وأسلوباً!.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب