اثارت اتفاقية القدس التي وقعها الملك وعباس في عمان قبل يومين،تساؤلات كثيرة،والتحليلات والتكهنات لم تترك بابا الا وطرقته.
الاتفاقية تحمل من حيث المبدأ مضمونا سياسيا مهما يتعلق ببطلان الاجراءات الاسرائيلية في القدس،وبكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية،وهنا فأن الاردن يؤكد على الدولة الفلسطينية،ومن ناحية اخرى يرفض الاجراءات الاسرائيلية في المدينة.
من ناحية ثانية فان هناك اتكاء على الاتفاقية التاريخية الاولى التي اعتبر فيها الفلسطينيون الشريف الحسين وصيا على القدس والمقدسات،بحيث ان رعاية القدس والوصاية على مقدساتها متوارثة من ملك الى اخر،وتعترف بها منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية .
الجانب الثالث في الاتفاقية يتعلق بحق الملك باتخاذ كل الاجراءات القانونية وغيرها من اجل انفاذ حمايته للقدس،فهي ليست مجرد حماية معنوية ولها امتداد قانوني وسياسي،وفي الاتفاقية تفويض للملك من الفلسطينيين باتخاذ مايراه مناسبا لحماية المدينة ومقدساتها.
توقيت الاتفاقية جاء في وقت حساس جدا،اذ ان هناك اجراءات اسرائيلية متصاعدة ضد المدينة وضد الحرم القدسي،وعلينا ان نلاحظ ان موجات الاقتحامات من جانب المستوطنين والجيش الاسرائيلي تزداد هذه الايام.
هناك ايضا مساع ٍ لاطراف معينة لمحاولة مس رعاية الاردن للمقدسات عبر نزع هذا الملف من يد الاردن،وهي محاولات لم تنجح.
في اجتماع مغلق قبل سنوات في الديوان الملكي قال الملك «ان ترك مدينة القدس وعدم الاهتمام بسكانها واهلها سيؤدي الى تهجيرهم تدريجيا،وستتحول المقدسات والمدينة الى متحف وهذا امر خطير جدا».
هذا الكلام الذي قيل قبل سنوات يعكس من جهة ثانية ادراك الاردن ان سوار المقدسات الاجتماعي،طوق نجاة للمقدسات،وهذا يعني ان هناك ملفاً كبيراً يتعلق بواقع المدينة الاجتماعي وسكانها وضرورة دعمهم بكل الوسائل والطرق للبقاء كجزء من حماية المقدسات.
الاتفاقية لا تحتمل التأويلات كثيراً،لان دور الاردن والهاشميين تجاه القدس دور معروف ومتصل منذ تسعين عاما،وشهداء الاردن في القدس بالالاف،وهذه شهادات تتصدر الشهادة العربية والاسلامية لاجل القدس،ايا كانت مآلات الحروب،لان مآلات الحروب لم تكن اردنية حصريا،بقدر كونها واقعا متطابقا في كل الجبهات العربية.
في كل الحالات فان الاتفاقية تأتي في توقيت حساس،وايا كانت التأويلات السياسية،فأن الاتفاقية تصب لصالح القدس،وتصب لصالح العلاقة الاردنية الفلسطينية،وتجدد الواقع القائم،وتفرض من ناحية اخرى فتح ملف القدس بكل تعقيداته لمراجعة تفاصيله السياسية والاجتماعية والاقتصادية،وهنا مربط الفرس.
هذا حمل ثقيل في توقيت خطير،فيما الخذلان العربي والاسلامي للقدس،يبلغ ذروته،هذا على الرغم من ان المجال متاح لخطوات كثيرة،وبعضها يقول ان ثبات الاردن واستقراره ايضا مفيد للقدس،لكون الاردن بوابة المدينة وكتفها الذي تتوسده،ولان الجبهتين الشرقية والغربية تواجه تحديات مشتركة.
يبقى السؤال:هل هناك اخطار محدقة بالقدس غير ما نعرف دفعت الى هذا الاتفاق في هذا التوقيت؟
والسؤال مفرود للاجابة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور
|