اسابيع قليلة تفصل بين المنطقة ومآلات الملف السوري،وكل الاحتمالات واردة،لان الصراع مازال في ذروته،وهذه الاسابيع قد تجيب على ما يقوله مسؤولون هنا،بشأن توقع هجرات اكبر من السوريين الى الاردن. رئيس الحكومة كشف قبل فترة ان هناك توقعاً بوصول ثلاثة ملايين سوري الى الاردن،ووزير الخارجية صرّح قبل ايام انه من المتوقع ان يبلغ عدد اللاجئين السوريين اربعين بالمائة من سكان المملكة بحلول منتصف العام المقبل.

اذا كان الملف السوري سيتم حسمه سياسياً،وستتوقف الحرب الدائرة،فلماذا يتسم التوقع بتدفق اللاجئين بالثبات.هذا يقول ان الاردن ينتظر ذات الرقم،في الحرب والسلم،وهذا امر لافت للانتباه جداً،لان هناك فرقاً بين الحرب والسلم،فيما الرقم ثابت؟.

الارجح ان الاردن لايتوقع نجاحاً فعلياً للحل السياسي،ولهذا يحافظ على رقمه التقديري لعدد اللاجئين،او انه يتوقع ان يؤدي الحل السياسي الى اقتتال داخلي من نوع اخر،بين ذات مكونات الشعب السوري،وليس بين المعارضة والدولة،على خلفية احداث العامين،وتحت عنوان تصفية الحسابات،بعد اعادة انتاج النظام،اذا تمت هذه العملية بنجاح.

معنى الكلام ان التوقعات غير متفائلة بشأن الملف السوري،سواء بقي الحال على ماهو عليه حالياً،او تم اعتماد وصفة سياسية قد تؤدي الى ارتدادات داخلية،ستودي الى هجرات اضافية،وسط احتمالات كثيرة،للتقسيم المذهبي والطائفي والعرقي.

كأنه يقال ان الاردن تحول الى حاضنة للسنة في المنطقة،وهي حاضنة بالمناسبة مؤهلة لاستقطاب لاجئي غرب العراق السنة اذا انفجرت الاجواء هناك ايضا،وهذا ملف بحاجة الى حسابات اكتوارية منذ الان.

شخصية اردنية بارزة التقت مسؤولا رفيع المستوى قبل فترة وجيزة،وهذه الشخصية قالت انه لابد من اتخاذ اجراءات جديدة تجاه السوريين في الاردن،على صعيد تأثيرهم الاقتصادي،عبر منع السوريين من العمل،لكون السوري بات يأخذ وظيفة الاردني،وليس المصري،كما كان متوقعاً،وفي الحد الادنى لابد من وضع معايير لعملهم.

اضافت الشخصية البارزة وهو رئيس حكومة سابق:احلال السوريين مكان الاردنيين له ارتداد اقتصادي واجتماعي،ولابد ان يتم التعامل مع هؤلاء عبر اسس لاتختلف عن اي عمالة،معتبراً ان الوضع الانساني ُمقدّر،غير ان احلال السوريين مكان الاردنيين سيترك اثراً حاداً في الداخل الاردني،الذي يعاني من البطالة اصلا.

هذا صحيح وقد شهدنا تفلتات اجتماعية غاضبة في مدن الشمال احتجاجاً على تأثيرات الهجرة السورية من الناحية الاقتصادية،التي جاءت مع اختلال ديموغرافي واضح في هذه المناطق. القصة ليست التحريض على السوريين في الاردن،اذ يكفيهم مافيهم،من تشتت وخسارة لوطنهم،عموماً،الا ان الارجح ان الاردن الرسمي على وشك اعلان اجراءات تنظيمية ازاء السوريين من الناحية الاقتصادية. السؤال المحيّر:كيف سيتم اتخاذ مثل هذه الاجراءات فيما الاردن يرغب بجذب رؤوس الاموال السورية الكبيرة والمتوسطة،وهو هنا غير قادر على ممارسة سياسات متضادة،فيتشدد ضد العمالة السورية،لكنه يريد جذب الرأسمالي السوري؟.

هذه ظلال اقتصادية واجتماعية للمحنة السورية،وهي المحنة التي ادت الى تدمير سورية الشعب والبلد،وهي محنة لايبدو انها ستشهد نهاية قريبة،خصوصا،ان اصرار الاردن على توقعاته بهجرات تصل الى الملايين،تقول ان الاردن ينتظر ذات الرقم في كل الاحوال،وهذا يفتح التساؤلات حول سر هذا الاصرار على “رقم ثابت” في ظلال سيناريوهات متعددة ومتعاكسة للازمة السورية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور