الغرب كان يخشى بشدة من الاسلام السياسي،بنسخته الشيعية،وبعد ان وفّر مساحة واسعة للاسلام السياسي بنسخته السنية حتى يتمدد،ولتوظيفه ضد النسخة الشيعية،بات اليوم،يحارب الجهتين،ويستهدف الاتجاهين،متراجعا عن فكرة توظيف واحد ضد آخر.

الاسلام السياسي بنسخته الشيعية يرفع شعاراً دينياً،والذي يمثله تحالف ايران وسورية وحزب الله،باعتباره حزباً مقاوماً،داعماً وسنداً لكل سلسلة الاسلام الشيعي،في هذه المنطقة.

الاسلام السياسي بنسخته السنية ايضاً،يمثله تحالف قطر وتركيا ومصر في مرحلة مرسي،بالاضافة الى جماعة الاخوان المسلمين،والشراكات السياسية للجماعة في دول مثل المغرب وتونس،مع وجود حركة مقاومة داعمة في الظلال ايضاً،اي حركة حماس.

التخطيط الغربي في مرحلة مبكرة وامام مخاطر الاسلام السياسي الشيعي،ووجود طهران على رأس المعسكر،باعتبارها دولة اقليمية كبرى عجمية-غير عربية- انتج نموذجاً مشابهاً حتى يصطدم بهذا النموذج،فكانت تركيا باعتبارها دولة اقليمية كبرى عجمية-غير عربية-ولها جذور في المنطقة،قابلة لان تكون حاضنة سياسية سنية وخلفها سلسلة تحالفات لمواجهة الاسلام الشيعي ومخاطره.

استمرهذا الصدام الذي تم انتاجه لسنوات،ومازال مشتعلا،وادى الى اقتتال مذهبي،وانقسام في المنطقة بين اسلاميين سياسيين مذهبيين.

الواضح اليوم،ان عواصم كبرى،تخلت مؤخراً عن الدور الوظيفي للاسلام السياسي السني،في مواجهة الاسلام السياسي الشيعي،نحو مبدأ جديد يقول انه لابد من مواجهة الاسلام بنسختيه المذهبيتين،خصوصاً،ان التقييمات ترى ان الصدام المفتوح بين النموذجين قد يؤدي في نهاية المطاف الى تهديد مصالح الغرب في المنطقة،والخليج العربي.

هذا يفسر بكل بساطة،لماذا انقلبت البوصلة الغربية من التصفيق لانجازات الاسلاميين في مصر والمغرب وتونس،وغيرها من دول،لان التصفيق كان وظيفياً لتعظيم دور هذا المعسكر في وجه الاخر،فيما بدأت اليوم عملية تفكيك سريعة لهذا المعسكر،بعد انتهاء دوره الوظيفي،وحسبة مخاطره وطموحاته ايضاً،باعتباره موقظا للدين في الناس،ووريثاً غير مطلوب استراتيجياً.

هذا يفسر مباركة سقوط مرسي،ويفسر سقوط وزراء في حكومة المغرب في ذات التوقيت،ويفسر ايضا الحملة ضد اردوغان في تركيا،والمؤكد ان عملية تفكيك معسكر الاسلام السياسي السني بدأت للتو،بعد انتهاء الدور الوظيفي.

عملية التفكيك تأتي،مع تراجع الحاجة الى الاسلام السياسي السني،بعد الاضرار الفادحة التي لحقت بحلقة مهمة في معسكر الاسلام السياسي الشيعي،اي النظام السوري،الذي يتداعى وكل الدولة السورية،وبالطبع تعرفون ان النظام السوري ليس دينيا،غير انه جزء من معسكر مصبوغ بشعار ديني في طهران،اضافة الى الاضرار التي لحقت بحزب الله،اثر تورطه في الازمة السورية.

للاسلام السياسي الشيعي زعيم ومرشد،والزعيم هو رئيس الدولة الايرانية،والمرشد خامنئي،وللاسلام السياسي زعيم ومرشد ايضا،والزعيم اردوغان او مرسي،والمرشد هنا مرشد جماعة الاخوان المسلمين،وهي ثنائية -الزعيم والمرشد-المنسوخة بطريقة غريبة.

للاسلام السياسي الشيعي حركة مقاومة تدور في فلكه،حزب الله،وللاسلام السياسي السني،حركة مقاومة تدور في فلكه ايضا،حماس.

مخاطر الاسلام السياسي الشيعي،انتجت الاسلام السياسي السني الحالي عبر الربيع العربي،وجعلت الغرب ُيغمّض عينه عن توسع المعسكر السني،لهدم الاول،واليوم وبعد ان اختلفت الحسبة الاستراتيجية،وباتت الاخطار بنظر الغرب واسرائيل مختلفة،من حيث يقظة تيارات دينية متطرفة،ونزوع كل المنطقة الى حرب دينية،وتهديد مصالح الغرب،فإن المؤكد ان ذات الغرب قرر بدء تفكيك معسكر الاسلام السياسي السني،بعد ان نجح الى حد كبير في اضعاف معسكر الاسلام السياسي الشيعي.

هذا يقول،أننا امام تصفية للاسلام السياسي بنسختيه الشيعية والسنية،وان مرحلة التصفيات مقبلة،تمهيدا لمرحلة اعلان المنطقة ضمن شكل جديد،يريح اسرائيل،كليا،ويجعلها قلب المنطقة،بلا منازع،بعد تصفية كل الخصوم،ومنحها لاحقاً شرعية وبركة العرب والمسلمين،بعد انتهاء السباق.

لايمكن للاسلام السياسي بنسختيه الشيعية والسنية ان يتحالفا،لان كل نسخة تفيض بكراهية الاخر،ونبذه عقائدياً ودينياً وفكرياً،وهذا النبذ المتبادل ممتد من ادارات الدول الى القاعدة الشعبية،والواضح ان سياسة الغرب واسرائيل قامت على شعار يقول ان هدم اي فكرة دينية-سياسية بحاجة الى فكرة دينية-سياسية،من ذات الطينة،وهو ماحصل فعلا،فوق الاتكاء على موروث العداوة التاريخية.

الاسلام السياسي بنسختيه الشيعية والسنية،تحت المطارق،فيما ابداع الاسلام السياسي السني بمحاربة معسكر الاسلام السياسي الشيعي،والرغبة بإحلاله عوضا عنه،رغبة ثبت ان الغرب لن يسمح بها استراتيجيا،وان سمح بها وظيفيا وبشكل مؤقت.

الاسلام السياسي في المنطقة عند السنة والشيعة،في طريقه الى الزوال،بعد مرحلة الاصطدام والمواجهة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور