ُيروى ان صبية جلست تأكل وحيدة وكان أمامها القليل من الطعام وقطعة لحم واحدة،حملت الصبية قطعة اللحم وما ان همت ان تضعها في فمها وما ان لامست القطعة شفتيها حتى مرت من جانبها امرأة فقيرة جداً وطلبت منها ان تعطيها القطعة التي في يدها، وهو طلب غريب،الا ان شدة الجوع انهكت الفقيرة،الى الدرجة التي طلبت فيه من الصبية مثل هذا الطلب.
توقفت الصبية عن الطعام ،وناولت اللحم من فمها الى فم الفقيرة،بحسن خاطر،التي شكرت لها معروفها،وانها فضلتها على نفسها.
مرت الشهور،لتتزوج الصبية،وتنجب طفلا،ولتجلس ذات يوم في خيمة في البادية،وطفلها في لباسه قربها،حتى داهمها الذئب،وقام باختطاف ابنها الوليد من بين يديها،ممسكا الطفل بأنيابه من لباسه،حتى هلعت المرأة وجنت.
قامت تنادي ربها:يارب ابني ابني،والذئب هارب،وفي الرواية ان الله عز وجل امر الذئب بأن يعيد الطفل الى أمه،والى بيت الشعر، فما كان من الذئب المأمور الا ان نسي غريزته الوحشية واستدار وأعاد الطفل الى بيت الشعر،وولى الأدبار بعد ذلك.
صوت سماوي..يخاطب المرأة قائلا لها..»لقمة بلقمة»..مستعيدا بذلك ذكرى معروفها حين رفعت اللقمة من فمها ذات يوم وأطعمت الفقيرة،وكأن تلك اللقمة،التي نزعتها من فمها،ردها الله بنزع اللقمة التي كانت في فم الذئب المتوحش،ليقال للمرأة ..لقمة بلقمة.
في الارث الشعبي قناعة تامة ان «اللقم تدفع النقم» وفي الحديث النبوي كلام عن ان الصدقة تمنع ميتة السوء وتطفئ غضب الله.
لي صديق ينتظر رمضان ليحل مشاكله كلها،وهو غارق في الديون اصلا،وفي رمضان يستدين مبلغا من المال،ويذهب لتوزيعه على أيتام وفقراء،واذ أسأله انت مدين أصلا فلماذا تستدين لمساعدة الفقراء والايتام؟
.
يكشف ان هناك سراً غريباً،فكلما استدان لمساعدة يتيم او فقير،كلما فرج الله عنه دينا اكبر من ديونه،وكأنه هنا يسدد الدين الاكبرعبر دين اصغر،وسداد الدين يتولاه رب العالمين.
ذات مرة جاء مغترب من الولايات المتحدة،ومطاعمه هناك كاسدة ومعروضة للبيع،بنصف ثمنها،ولا احد يشتري،ويذكر لي انه بالرغم من ظرفه هذا قام خلال زيارته واثر انقطاع الماء عن عمان ذات سنة،بتأمين عشرات المساجد بتنكات المياه للوضوء،وتأمين عشرات التنكات الى بيوت فقيرة من اجل الشرب.
تدمع عيناه اذ يكشف ان كل مطاعمه المعروضة للبيع،بيعت لاحقاً فوق سعرها المطلوب،وكأنه خرج من كربه وكربته،بهذا الاحسان والمعروف الذي صنعه للمساجد والمصلين وبيوت المحتاجين.
احدهم يقول ان التصدق مع ربط نية الصدقة بأمر معين مفيد جدا لمن له حاجة،فالتصدق مثلا بنية الشفاء من المرض،او رفع الظلم عن مظلوم،او التصدق بنية سداد الدين،او الانجاب او الزواج،اوغير ذلك من قضايا،امر يثبت دوما صحته وبركته،واحد العلماء يقول ان من له حاجة فليكثر من الدعاء والصدقة بنية تحقيق حاجته.
ما من واحد فينا الا والذنوب تثقل كاهله،ولعل الاستغفار مطلوب،فوق الصدقة،لان الصدقة هي شكل من اشكال الاستغفار العظيمة،وكثيرا ما نجد في حياتنا عصاة يصبر الله عليهم،ويسأل الناس بسذاجة لماذا لا تتم معاقبة فلان لانه فعل كذا ويفعل كذا؟ |
لو فتحوا عيونهم جيداً عليه،لعرفوا ان الله لا يعامل الناس،مثلما يعامل الناس بعضهم البعض،ومثلما يحكمون على بعضهم البعض.
لو دققوا في اسراره،لاكتشفوا ان سر الصبرعليه،عائد الى صدقة يخفيها او فقير ينفق عليه،او يتيم يكفله،فتطهر العصاة من ذنوبهم،بالصدقة فيه سر باهر يُطفئ غضب الله،وفي الموروث حكايات عن عصاة وقتلة تم العفو عنهم،لمعروف فعلوه ذات لحظة.
فرعون ادعى الالوهية وانه الخالق،تأخر عقابه اربعين عاماً،لانه كان باراً بأمه،فإذا كان من يدعي الالوهية يتأخر عقابه اربعين عاماً لبره بأمه،فماذا نقول عن الانسان العادي الذي يعصي لكنه يقر بوجود الله؟ | .
يقال هذا حتى نتذكر ان الله عفو رحيم،وان الله عز وجل ليس جلادا يريد ايذاء البشر والانتقام منهم،حتى لا يبقى اسم الله مقرونا بالترهيب المبالغ به من بعض المتفيقهين،بدلا من التخفيف عن الناس،وتذكيرهم بأن اغلب صفات الله واسماؤه تعني الرحمة والصبر.
باب القربى مفتوح،واحد اسراره تذكركم للمحتاجين هذه الايام.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة ماهر أبو طير جريدة الدستور
|