بثت وكالة «رويترز» البارحة تقريرا نسبت فيه معلومات إلى مسؤولين أمنيين أمريكيين تقول إن الكونغرس وافق على تمويل شحنات سلاح للمعارضة السورية،عبر الأردن.

التقرير اثار غضب وزير الاعلام السوري، فوق تفاعله على مستوى شبكات التلفزة العالمية وعلى مستويات سياسية مختلفة،والعالم شهد قدحا وشرارا على خلفية القصة،لكونها حددت بوابة تسليم السلاح للمعارضة السورية اي عبر الاردن،ولانها جاءت في عز التفاوض السلمي في جنيف بين المعارضة والحكومة السورية.

علينا ان نفرق هنا بين امرين،اولهما الجانب التشريعي والتمويلي الذي يخص الكونغرس المسؤول عن اموال دافعي الضريبة في الولايات المتحدة،وبالتالي هو الذي يقرر الموافقة او رفض كثير من النفقات العلنية والسرية،على صعيد المؤسسة الامريكية.

الجانب الاخر،وهو الاهم،يتعلق بالجانب اللوجستي والميداني،فلاتعني موافقة الكونغرس على تمويل صفقات السلاح للمعارضة السورية،عبر الاردن،ان يتم التنفيذ مباشرة،من جانب واشنطن وعمان،على الرغم مما يعتقده كثيرون حول انضباط الاردن الكامل وامتثاله لرغبات واشنطن السياسية والعسكرية والامنية،بلا سؤال او جواب.

لسنا في وارد نفي المعلومة،لكن دعونا نحلل على اساس سؤال يقول ماهي مصلحة الاردن في التورط في عمليات عسكرية قرب حدوده،وهل من مصلحته اصلا ان يصبح ممرا لشحنات اسلحة للمعارضة السورية جنوب سورية،بكل تنويعاتها الغامضة؟.

عن اي معارضة نتحدث هنا،ومناطق جنوب سورية،غارقة بعشرات التنظيمات من انواع مختلفة،بعضها من صناعة الدولة السورية،بعضها الاخر ابن شرعي للقاعدة،بعضها ايضا ابن شرعي لمنافسي القاعدة من تنظيمات اسلامية،ثم نفر من الجيش الحر،وهناك عصابات سطو ايضا تدعي العمل الثوري،فمن هو الوكيل المؤهل لاستلام هذا السلاح؟.

قد ُتسلم سلاحا لمن تدربه او تأمنه،فيبيعه لاحقا لمن لم تدربه ولاتأمنه،وعبر هكذا اجواء فأن سقوط الاسلحة بيد فصائل تقاتل بعضها البعض،امر ممكن وسهل،خصوصا،في ظل تطاحن الفصائل على النفوذ والسلطة.

كل هذا يقول ان تهريب السلاح للمعارضة السورية،مجازفة غير آمنة نهائيا، حتى لو ارادتها واشنطن وعمان وعواصم اخرى في هذا الاقليم.

لاضمانات لدى الاردن ان لايرتد هذا السلاح على امنه لاحقا، ويتم بيعه او تهريبه او استعماله من جانب عناصر عسكرية،داخل الاردن،ونسمع كل اسبوع،عن تهريبة سلاح يتم كشفها،عبر الحدود،وبالاتجاهين ايضا؟.

من هو العاقل الذي يقبل اساسا بتحويل خاصرته الشمالية،الى بؤرة تسليح،قد تنفجر في وجهه في اي لحظة،هذا فوق اخطار الانتقامات الامنية المحتملة من جانب النظام السوري في الاردن،ولا احد يعرف ماذا ارسل من عناصره الكامنة والمدربة،وماذا يخزن من اسلحة هنا،وماذا اشترى ايضا من اسلحة من السوق المحلي،ولم يأت موعد استعمالها بعد؟.

موافقة الكونغرس على تمويل شحنات السلاح للمعارضة السورية عبر الاردن،موافقة مخصصة للادارة الامريكية،ودليل على انها طلبت هذه الموافقة منذ شهور،لان عملية النقاش والموافقة استغرقت عدة شهور،وهذا يؤشر ايضا على ان الشهور الماضية لم تشهد تهريبا لاي سلاح،لان لاموافقة امريكية اصلا.

بما ان الموافقة تتعلق بخطط الادارة الامريكية،فليس من الضروري ان تتجاوب عمان مع هذه الخطط اذا ماكانت نافذة حتى هذه اللحظة،كما ان لا احد يضمن كلفة هذه المداخلات التي اقلها شبك مناطق جنوب سورية،بمناطق شمال الاردن،على المستوى الامني والعسكري،وهذا شبك خطير، لن تفلح اي عاصمة عربية او اجنبية في دفع كلفه ومداواة جراحه لاحقا،لا بمال،ولاببيانات تعزية ومؤازرة.

صحت المعلومات بمعناها الحرفي أم لم تصح،فليس لنا اي مصلحة في مد يدنا إلى البركان السوري،وحممه المتدفقة على الداخل السوري،وعلى جوار سورية،هذا فوق الشك المبدئي في رغبة الاردن اساسا بالتورط في عمليات تهريب السلاح.

كل رصاصة تحصل عليها المعارضة،يقابلها صاروخ تحصل عليه دمشق الرسمية من موسكو وبكين...والسؤال يأخذنا الى هذه المهلكة الكبرى التي دمرت بلدا عربيا انضم الى قائمة الكيانات الشهيدة،من فلسطين وصولا الى العراق مرورا بمصر،ومابينهما.

إذا اراد العالم ان ينقذ الشعب السوري،فليكرمه برفع يد قروده عن قمحه وطحينه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور