لم اعرف المناضلة الجزائرية «جميلة بوحيرد» شخصيا الا في بيروت،قبل شهرين،وبوحيرد مناضلة جزائرية شهيرة،قامت بعمليات تفجير ضد الاحتلال الفرنسي،في الجزائر،واعتقلها الفرنسيون وحكموا عليها بالاعدام،لولا ان اطلق سراحها بعد سنين،مطلع الستينات.

«بوحيرد» كانت منفعلة جدا امام تكريمها بعد كل هذه السنين،وانفعالها اشتد وهي في جنوب لبنان،اذ تجول ونحن في داخل كهوف مليتا،في باطن الجبال،حيث مقر المقاومة اللبنانية،على بعد كيلومترات قليلة من فلسطين المحتلة،وفي كهوف مليتا،مقرات للصلاة والنوم والتحصن لقيادة المقاومة،التي حيّرت اسرائيل آنذاك وجعلتها تقصف عشوائيا كل جبال جنوب لبنان بحثا عن هذا المقر،فلم تجده،ولم تصبه ايضا.

تحدثت «بوحيرد» بالفرنسية،امام الجمع،لتعبر عن امتنانها على هذا التكريم،والبعض انتقدها على ذلك،معتبرا ان الاستعمار مازال باقيا،والا ما دلالة كلامها بالفرنسية،بعد رحيل الفرنسيين عن الجزائر،وواقع الحال يقول ان عربيتها باللهجة الجزائرية قد لا تكون مفهومة تماما للضيوف العرب،فيما اللغة الفصحى قد تكون صعبة عليها،وهي من جيل تعلم تحت مظلة الاحتلال الفرنسي،ومن الطبيعي ان تكون لغتها الفرنسية طاغية على العربية؟.

بقيت «جميلة بوحيرد» رمزا للنسوة المناضلات،وبعدها اشعلت نساء كثيرات،مشاعل حرية في العالم العربي من سناء المحيدلي الى دلال المغربي وصولا الى ايات الاخرس،والاسماء لا تعد ولا تحصى،والذاكرة تفيض بها،ولاتنساها.

في احصائية مثيرة للانتباه،في فلسطين المحتلة،فقد اكتشف خبراء ان اكثر اسم لامرأة استشهدت في فلسطين او اعتقلت او جرحت،كان لفاطمة،فيما اكثر اسم يتكرر بين الذكور هو لمحمد،وهو ايضا الاسم الاكثر تسمية بين المسلمين.

عن قرب تحاور جميلة بوحيرد،وعلى عنقها تلف وشاحا عليه رسم الاقصى وقبة الصخرة،وكلمة فلسطين بالانجليزية،اذ مازالت فلسطين الوحيدة الغائبة بين شقيقاتها العربيات،ولايمكن ترميز اي نضال اليوم،عربيا كان ام عالميا،الا بالاشارة الى فلسطين،ومن الطبيعي ان تشاهد الكوفية الفلسطينية ايضا باتت لثاما لمناضلين في دول عديدة.

شراكة المرأة في نضالات الشعوب،اهم بكثير من الرجل،لان الثاني،قد يتم اعتقاله او قتله،ولولا امرأة مقاتلة خلفه تحتمل كلفة نضال الرجل،وتربي عائلة بأكملها،وتديرها اجتماعيا واقتصاديا،لما تمكن الرجل من النضال ضد الاحتلالات،والدور هنا ليست تكميليا،بل لربما دور المرأة يفوق دور الرجل،وان كان عنوانه الشراكة.

ندر أن نجد أما او سيدة خائفة مذعورة جاهلة،قادرة على انجاب كفاءات او مناضلين او رجال ذوي قيمة في هذه الحياة،وبساطة كثيرة من الامهات،لا تعني بالمناسبة الذعر او الجهل،اذ ان البساطة هنا لا تلغي وجود روح جبارة لسيدة قادرة على صياغة التغيير.

ربما اغلب المساوئ التي نراها اليوم،خلفها في الجذر امهات،حظين من جهة اخرى بمعاملة قمعية او سوء تربية او اضطهاد،وهذا يعني ان الحصاد،نتاج طبيعي لاصل الشجرة.

«جميلة بوحيرد» بقيت رمزا اسطوريا للمناضلات،وحظيت حكايتها بتغطيات اعلامية وبأفلام،ومازالت حاضرة بيننا،وتكريمها في لبنان،كان ذكيا،لان في تكريمها رسالة تقول اننا امة يجب ان لا تنسى من ضحى بنفسه من اجل حريتها.

ليس مهما ان تتحدث جميلة بوحيرد بالفرنسية،فروحها ويدها،عروبيتان،وكثيرا ما يكون اناس بيننا يجيدون العربية،قراءة واعرابا وتشكيلا وبلاغة،لكنهم اكثر خطرا على هذه الامة من آخرين،كانوا ضحايا للاستعمار،الذي رحل،وبقيت لغته بصمة عابرة بالتأكيد.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   ماهر أبو طير   جريدة الدستور