من زمان .. لم أستمع للإذاعة المدرسية.. لا أعرف كيف صار طعمها..،، هل يا ترى ما زالت مثل زمان.. أم التحقت بمُخرجات "الدايت"..؟؟،، وعندما تُلفظ كلمة مدرسة أمامي: على طول ينط في بالي "الإذاعة".. لأن إذاعة المدرسة في طابور الصباح هي اقتحامي الأول للإعلام و عالم الصحافة.. فيها كسرت الحاجز النفسي مع الجمهور.. وفيها "تأتأت" ليوم التأتأة.. وفيها أيضاً بدأت شخصيتي تأخذ طابعاً متمرّداً..،،.

في مدرسة الكرامة "الوكالة" حيث دراستي الابتدائية والإعدادية: ثمة حنين لا يقاوم.. فأشعاري الأولى كانت خلف مايكروفونها.. والغريب أن طوال فترة تواجدي خلف المايكروفون لم يتقدّم نحوي أي أستاذ ليصحح لي كلمة أو يردني في لفظ.. مع أن تجاربي الأولى مليئة بالأخطاء القواعدية من نحو وصرف: والشعر يومها لم يكن على مقاييس العروض.. ولكنّ تميّز إلقائي غطّى على عيوبي..،،.

أمّا تجربتي الإذاعيّة في "مدرسة الشونة الجنوبية للبنين" فقد كانت الأنضج.. فلم أقرأ شيئاً إلا وكان لي.. ولم أقرأ قصيدة إلا وكانت على شروط العروض وتتنطنط منها الموسيقى.. وهناك.. تحوّلت علاقتي بالمعلمين إلى علاقة الصداقة أكثر منها علاقة طالب بمعلّم.. فلا زلتُ أذكر حميمية الأستاذ محمد الراعي والذي كان يجبرني على العودة إلى الإذاعة كلّما غبت عنها يومين أو ثلاثة: وكان يقول لي: الإذاعة بدونك ما إلها طعم..،، بدأ وعيي السياسي هناك.. كنتُ ألقي خُطباً نار ونار النار وفي زمن الأحكام العرفية أيضاً.. كان شعري ثوريّاً وغاضباً من كل شيء..،،.

لم أكن ساخراً يومها بالمفهوم الاحترافي.. ولم أكن أظنّ أنني سأتخلى عن كل خياراتي الأدبية من قصة وشعر ومسرح لأرتكب السخرية ويصبح كل همّي اليومي كيف أحافظ على تلقائيتي في الكتابة الساخرة.. بل وكيف أكتشف كتاباً آخرين أشتم فيهم رائحة السخرية الجادة..،،.

أستاذ محمد الراعي.. صباح السخرية.. ها قد كبرتُ يا صديقي وصرتُ كما توقعتَ لي وأكثر..،، دقوا على الخشب..،،.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   كامل النصيرات   جريدة الدستور