أعترف بانني لم أشاهد من مسلسل "أبو جانتي" إلا حلقات نادرة.. لعل أبرزها الحلقة الأولى ، للاطلاع.. والأخيرة ، بحكم لمّة العيلة.. ومن ذلك اليوم وأنا أتامّل هذه الشخصيّة التي أدّاها "سامر المصري" الشهير بين الشعوب العربية والشعوب المدبلجة بـ"أبو شهاب".

لم يكن أبو شهاب صاحب الكشرة والرزانة شخصية عادية.. بل تعامل معها الكثيرون على أنها شخصية لبطل عربي قادم من التراث طالما تمنّوا وجوده بينهم لأنه "شكلين ما بيحكي" وكلمته فيصل وتضع حداً لكل شيء.. أبو شهاب كان حبيب الملايين بالفعل من نساء وشيوخ وأطفال.. لأنه "عقيدهم" وعقيد القوم هو حاميهم.

وفي صورة بصريّة ضاربة في القهر.. يتحوّل أبو شهاب إلى أبو جانتي شوفير التكسي.. من شكلين ما بيحكي إلى لسان يحكي كل الأشكال.. بل ويلبس قميص مفتوح الأزرار وشعر الصدر طالع للمعجبات وبنطلون جينز مش عارف ساحل وإلا لأ..؟ وسنسال ذهبي ناعم يتدلى من على الرقبة ، بل وعلكة تُطعّج الكلمات ويلف في الشوارع ليس بحثاً عن "جاسوس" أو "ثوار" كما كان في "أبو شهاب" ، بل بحثاً عن قوت يومه فقط.. وعن نكتة سمجة يلقيها علينا.

أبو شهاب ، شخصية افتراضية لا وجود لها.. وأبو جانتي أيضاً.. ولكننا إذا وضعنا الشخصيتين لنفس الممثل لاستطعنا أن نؤكد أن هذا هو حال العربي والبطولة العربية.. من شخصية كانت حامية الحمى ومصدر فخر وشكلين ما بتحكي ، إلى شخصية مقهورة دخلت فيها كل الهزائم وحولتها إلى هائمة على وجهها في الشوارع لتلقّط رزقها ولا تُصيبه.

وإنك لتعجب حين ترى "أبو شهاب" البطل العربي عنده من الاكتفاء الذاتي ما يثبّت له الزعامة وصاحب أملاك وثروات.. ليتحوّل بلمح البصر إلى شوفير تاكسي ، ورغم أنه يدّعي أنه "ملك التكسي" إلا أن صاحب التكسي الحقيقي سحب التكسي من تحت شواربه بكل سهولة.. وأعطانا أبو جانتي ظهره وغادر المشهد.

إنها حكايتنا العربية.. انتبهوا إليها من زاوية واحد مقهور مثلكم تماماً.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   كامل النصيرات   جريدة الدستور