إن لشعر الأطفال وخاصة الأناشيد دوراً بارزاً في التربية والتوجيه، فهو رافد من روافد الثقافة المهمة للطفل، يساعد في تأكيد القيم التي يجب أن يتحلى بها، كما يمده بخبرات جديدة ومتنوعة تجعله يشعر بلذة المشاركة في التجربة الإنسانية وجدانياً ونفسياً وعقلياً، فالطفل(1) بشكل خاص يرغب في سماع الإيقاع، ويسعد به، ومن أصدق الأدلة على ذلك أن الطفل الرضيع يشعر بالطمأنينة وينام، عندما تسمعه أمه نغماً تنشده بصوتها، وإيقاع يدها على سريره، وقد يكون قلقاً فيهدأ بكاؤه وينام عندما يستمع إلى ذلك النشيد أو النغم إن صح التعبير.
وبالنسبة للأطفال الأكبر نسبياً من بداية سن التمييز فصاعداً تلعب الأناشيد دوراً متميزاً في تربيتهم إسلامياً واجتماعياً، فتنمي عندهم حب النظام الذي يعتبر أحد الجوانب المهمة في التنشئة الاجتماعية، كما أنها تنمي الخلق الحسن لديهم من خلال تلقينهم القيم الجميلة وتكرار استماعهم لها، وهذا في مجمله يصقل أرواحهم وينمي فطرتهم التي فطرهم الله تعالى عليها، بالإضافة إلى النمو اللغوي الذي تقدمه لهم من خلال الكلمات والعبارات العربية الفصيحة التي تلتصق بأذهانهم، من خلال تكرارها بالقصائد والأناشيد، وبالتالي تستقيم ألسنتهم وتنمو مفرداتهم اللغوية وأساليبهم التعبيرية الجميلة.
كما أن بث القيم الإسلامية من خلال الأناشيد ينمي الطفل روحياً، ويبقي على فطرته نظيفة من أدران الدنيا وذلك عن طريق ربطه بالله تعالى والتفكير في قدرته، والأمثلة على ذلك متعددة نذكر منها على سبيل المثال(2):
إسلامنا دين حنيف=ظل على الدنيا وريف
يعطي الفقير حقوقه=يعطي الحماية للضعيف
إسلامنا دين جميل=سام قوي كالنخيل
ينأى عن الحقد الهزيل=يلقي الثمار على السبيل
إسلامنا – دستورنا=من قبلنا – من بعدنا
فيه السلام والرضا=فيه البشارة والسنا
تحقق الأناشيد دوراً حيوياً في تعريف الطفل بالمناسبات الإسلامية المختلفة، ولها دور فعال في التعريف بالوطن والدعوة إلى حبه والمحافظة عليه والدفاع عنه ضد كل طامع حقود.
أما بالنسبة لأطفال ما قبل التمييز فإننا يمكن أن نقدم لهم مفاهيم تتعلق بالعقيدة في كلمات سهلة وممتعة تتردد على ألسنتهم في يسر وسهولة لينطبع ما تحمله من معان في أذهانهم متوافقة مع الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها حيث إن الشعر محبب إليهم ويجدون سهولة في قراءته وحفظه، بسبب موسيقاه العذبة وأنغامه الرشيقة الخفيفة، ويمكن صياغة تلك المفاهيم في صورة أناشيد بسيطة تناسب قدرات الطفل الاستيعابية في تلك المرحلة السنية، ويا حبذا لو كانت تلك الأناشيد مقترنة بما يحبه الأطفال في هذه السن من صور وأزهار وطيور ونبات... إلخ، وهذا ما طبقه الشاعر: يحيى حاج يحيى في كتابه "أناشيد الطفولة في العقيدة" حيث يقول(3):
هذي الأزهار الحمراء=من أين سيأتيها الماء؟
من يسقيها وينميها=ويزينها بالألوان؟
الله رب الأكوان
ثم يقول:
هذا نمل ما أصغره=يمشي هوناً ما أصبره
من علمه هذا الصبرا=من أسكنه هذا الوكرا؟
الله تعالى علمه=الله تعالى فهمه
ثم يقول:
هذا طفل دون الفهم
من عوده أن يرضعه
من علمه ثدي الأم؟
وهكذا نلاحظ أن الأناشيد تبدأ من كلمة هذا، وهي إشارة إلى محسوس ليتناسب مع ذهن الطفل في تلك السن التي لا يدرك فيها إلا الأشياء المحسوسة، كما أن من حاجات الطفل الضرورية في هذه المرحلة حاجته إلى حب الآخرين وعطفهم فهو يتغذى نفسياً بهذه المحبة التي ينعم بها من أمه وأبيه وذويه.
وقد وقفت أناشيد الطفل المسلم عند هذا المعنى الجميل حيث يقول الشاعر محمد موفق سليمة على لسان الأطفال(4):
عيشي طابا=بك يا بابا
بابا عيني=يرضى عني
بابا يسأل=عما نفعل
ويقبلنا=لتفوقنا
والطفل كما يحتاج إلى الإحساس بحب الآخرين وعطفهم في هذه المرحلة فهو بحاجة إلى الشعور بالأمن والطمأنينة، فهو يخاف من الجوع والعطش كما يخاف من الألم وتؤثر فيه كلمة التهديد، وترعبه حكايات الجن والعفاريت، وقد صور ذلك المعنى الأستاذ يوسف العظم في أنشودة أمي، حيث يقول(5):
في حضنها الأمان=في صدرها الحنان
في قلبها الإيمان=في كفها الإحسان
أمي رعاها الله
إن لفّني الظلام=في حضنها أنام
أو مسني السقام=في كفها السلام
أمي حماها الله
ومن بين الحاجات الأساسية في حياة الأطفال حاجتهم إلى اللعب فقد جاء في "تهذيب الأطفال لابن مسكويه" عند كلامه عن لعب الأطفال(6) "وينبغي أن يؤذن للطفل في بعض الأوقات أن يلعب لعباً جميلاً ليستريح إليه من تعب الأدب، ولا يكون في لعبه ألم ولا تعب شديد" كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال(7):
"من كان له صبي فليتصاب له" أي يلاعبه من آن لآخر لأن في اللعب دليل نشاط وصحة، وقد جاء هذا المعنى في أنشودة "أمي" للشاعر عبد الجواد علام حيث يقول(8):
أمي أمي أمي
هي ترعاني وقت اللعب
وتعلمني فضل الأدب
وهذا اللعب مرتبط برضى الوالدين كما في أنشودة الأستاذ كمال رشيد "أمي وأبي" حيث يقول(9):
أمي وأبي=أغلى النسب
لهما عندي=أعلى الرتب
لعبي كتبي=علمي أدبي
برضا أمي=وحنان أبي
وهذا قليل من كثير مما جادت به قرائح شعرائنا لفلذات أكبادنا، ويمكن القول: إن الأناشيد التي أوردناها في هذا المقال يمكن أن تؤدي فائدة أعمق إذا لحنت وأنشدها مجموعة من الأطفال الصغار، حتى إذا استطاعوا حفظها أنشدوها بأنفسهم، فتزرع في نفوسهم القيم والمثل الجميلة، وتجعلهم قادرين على التأمل فيما حولهم من مخلوقات الله العظيمة.
الهوامش:
(1) أدب الأطفال في ضوء الإسلام، د. نجيب الكيلاني، ص89-93.
(2) مجلة "الفردوس" المصرية للأطفال، للشاعر رفعت المرصفي عدد ذي القعدة 1415هـ، ص19.
(3) أناشيد الطفولة في العقيدة للشاعر يحيى حاج يحيى، "المتن".
(4) مجلة "منار الإسلام" الإماراتية، عدد شوال 1409هـ، ص99.
(5) مجلة "منار الإسلام" الإماراتية، عدد شوال 1409هـ، ص101.
(6) التربية والتعليم في الإسلام للأستاذ سعيد الديوه جي، ص52.
(7) رواه ابن عساكر.
(8) مجلة "منار الإسلام" الإماراتية، عدد شوال 1409هـ، ص101.
(9) مجلة "منار الإسلام" الإماراتية، عدد شوال 1409هـ، ص101.
المراجع
رابطة أدباء الشام
التصانيف
شعر شعراء أدب