كثيرون هم الجياع ..ولكن قليلون هم الذين يضعون للجوع مبادئ وأفكار ..أوحتى إستراتيجية ثابتة ..أعرف إنني بحكي حكي كبير ..بس هذا إللي طلع معي ..ففلسفة الجوع والحاجة لا يتقنها الأغنياء ..بل أصحاب الزَّفَر الشهري ..

ومثل الجوع تماما ..هي الحريّة ..فلا يعيها إلاّ من أُخِذَتْ منه ..أو حتى لم يرها إطلاقاً ..ولعل رجلاً خريفيّاً اسمه ( شاورما ) على سبيل المجاز ليس إلاّ ؛ قد فكّر ألف مرّة قبل أن يصدِّق حكاية (الحريّة ) .. لأن ( شاورما ) اعتاد على السيخ ( ليس هنديّاً ) ..واعتاد على النار ( ليس من عَبَدَتها ) ..واعتاد أيضاً على أن يسلخوا جلده عن عظمه ..كي يطعموه للي معه ..أمّا إللي معوش ما يلزموش ..

الخطأ الوحيد الذي ارتكبه ( شاورما ) في حياته ..انه اعتقد أن الحريّة قد أصبحت جاهزة وهي بانتظار وصوله إليها ..ولهبله المُطبق فكّر أنها تنتظره في كل مكان ..لذا لم يسأل أحداً ولم يشاور حتى عقله ..لأنه أراد أن يمارس حريته على كيفه لمرّة واحدة فقط لا غير..

تجرّد شاورما من كل أواعيه ..حتّى ورقة التوت لم يكن يسمع عنها ..بالمحصّلة كان ( كما خلقتني يا رب ) ..خرج يرسم ابتسامة الحريّة على جعلكات وجهه المسكون بالهزائم المتلاحقة ...وقّف في نُص الشارع ..لم يلتفت إلى الذين يتهامسون عليه ويسخرون أيضاً ..وقال لنفسه : دعهم يمارسوا حرّيتهم ..

الناس كلّها تقف خلف الرجل شاورما ..الأصوات تتعالى ..وشاورما يوزِّع الابتسامات على الجميع ...ويؤشِّر لكل تكسي أصفر يمر من أمامه ..ولا تكسي راضي يقف له ..وهو يقول : إللي ما بدّه يوقِّف هو حرّ ..خلّي الكل يعمل ما بدا له ..

أخيراً وقف تكسي ..صعد شاورما ..السائق تحت ضغط الذهول ..قال شاورما : على أي مكان يا أستاز ..هكذا تكلّم شاورما .. السائق ينظر قدّام شوية ؛ ثمّ يتفحّص بشاورما شويتين ..ثم يُجَكْجِكْ ..فعلها السائق عشرات المرّات ..إلى أن قطع عليه شاورما : في إشيْ يا أُستاز ؟؟ ليش بتطلّع فيّ هيك ؟؟ ..السائق ما صدّق وشاورما يحكي فقال : نفسي أعرف شغلة وحدة بَسْ ..منين بدّك تطلِّع المصاري حتى تدفع أجرة التكسي ..؟؟


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   كامل النصيرات   جريدة الدستور