أم الدباغية

هو عبارة عن تل في العراق يرجع إلى العصر الحجري الحديث ويوجد في سهل إلى الجنوب من جبل سنجار على بعد 20كم إلى الغرب من الحضر Hatra، وموضعه في منطقة من السهوب شبه الجافة، إذ لا يزيد المعدل السنوي لأمطارها على 200مم. وهذا التلّ هو رابية صغيرة بعداها 100× 85م، وارتفاعها أربعة أمتار، وقد أجرت الباحثة كيركبرايد D. Kirkbride تنقيبات فيها بين عامي 1971 و1973م. ومن سو الحظ أن الكربون الإشعاعي C14 لم يحدد تاريخ المكتشفات هناك، غير أن المقارنة بمواقع أخرى في شمالي بلاد الرافدين تقود إلى تصنيف هذه الموقع ضمن حضارة حسونة الباكرة؛ أي في أوائل الألف السابع ق.م.

كما قد تم تحديد أربع طبقات أثرية levels رئيسية من البنا فيه من 1 إلى 4 (من الأعلى إلى الأسفل) تعود كلها إلى الحضارة نفسها. وتبدأ الأبنية المصنوعة من الطين المحروق أو من القصب من دون أساسات حجرية بالظهور في الطبقة الرابعة، وتنقسم المباني في الطبقتين الرابعة والثالثة إلى بيوتٍ سكنيةٍ ومبانٍ على شكل خلايا. وتتألف تلك البيوت السكنية عادة من غرفة كبيرة - والأرجح أنها مطبخ - وإلى جوارها غرفة أخرى صغيرة أو اثنتان صغيرتان أيضاً بشكل يكاد يكون مربعاً - لأن طول الغرفة هو متران وعرضها هو 1.5م تقريباً- مع وجود دعامات داخلية تشكل معبراً بين الغرف. وكانت الغرف من الداخل مليسة دائماً بالجص، وتعدّ الرسوم الجدارية الأكثر أهمية، فقد عثر على قطع من الجدران في تلك البيوت في مكانها الأصلي، وعليها رسومات - في معظم الأحيان- باللون الأحمر المشوب بالصُفرة؛ وفي بعضها الآخر باللونين الأسود والأصفر على الجدار الجصي ذي اللون الأبيض، وتشاهد على إفريز في جدار بيت من الطبقة الرابعة أو الثالثة رسوم حيوانات شبيهة بالحمار البري Onager تحيط به أشكالٌ تشبه الكلّابات، وهي تمثل في رأي الباحثة المنقبة مشهد صيد حمار الوحش بالشبكة، وثمة رسوم أخرى لصيد الحمار البري؛ تصور حيواناً يحيط به شخصان أو ثلاثة ثم مجموعة من التموجات، كما تظهر الخطوط المتموّجة في رسوم غيرها قيل إنها تمثل شكلاً تجريدياً لنسور تحط على الأرض، ولاشك أن هذه الرسوم ومعها نماذج أخرى من مواقع من العصر الحجري الحديث في سورية (كجعدة المغارة وحالولة وبقرص) هي لقىً مهمة تمثل الحضارة والتاريخ لتلك الفترة.

أما عن البنا الذي يلفت النظر في أم الدباغية فهو بنا ٌ طويل على شكل خلايا يشمل  غرفاً صغيرةً، ويعود اثنان على الأقل من هذا النموذج إلى الطبقتين الرابعة والثالثة، وطول أحدهما 25م وطول الآخر 40م. وهناك ثلاث مجموعات من الغرف الصغيرة في الجهة الشمالية، ومجموعتان أخريان يصل بينهما ممر في الجهة الجنوبية، ويدل صغر حجم تلك الغرف - فهو في المتوسط 175سم طولاً و150سم عرضاً- على أنها كانت غرفاً للتخزين. وبالرغم من أن معظم الغرف في الأبنية ذات الشكل الخلوي فارغة فإن الغرف في مجموعة الجهة الجنوبية تحوي مواد مهمة، حيث عثر في إحدى الغرف على 2400 من المقاليع ومئة من الحصيات الطينية (قطر كل منها نحو 15سم)، وقد اكتشفت نماذج مماثلة من البيوت السكنية وغرف التخزين في المباني على شكل خلايا في "قرية محترقة " في تل "صبي أبيض"[ر] في وادي البليخ[ر] في سورية.

وليس ثمة العديد عن إسهام الزراعة في موقع أم الدباغية؛ فبالرغم من العثور على الحبوب هناك فإن كميتها كانت صغيرة، كما أن الأدوات ذات الصلة بالزراعة والحبوب كالمجاريش وشفرات المناجل قليلة، يضاف إلى ذلك أن المنطقة المحيطة بالموقع يصعب أن تصلح بسبب ظروفها الطبيعية للزراعة البعلية، لذا يرجح أن تكون الحبوب مستوردة من مناطق أخرى.

أما اللقى التي ابرزتها التنقيبات الأثرية فهي متنوعة وتشمل مجموعات من الفخار شبيهة بنظائرها في مواقع ثقافة حسونة الباكرة نحو تلول الثلاثات [ر] وتل سوتو [ر] في منطقة الموصل وسنجار في العراق، وتل سكر الأحيمر [ر] على الخابور في سورية. ومعظم الفخاريات من الطين شبه المحروق وغير مزينة وتحوي قشاً، وهناك كثير من الأوعية الجؤجؤية  carination.

ويلاحظ شيوع الزخارف الفنية في هذا الموقع، وهي مختلفة فبعضها بسيط كالعروة المثقوبة والمقبض والعيون على شكل حبّات القهوة، وبعضها الآخر ذو تصميم مركب كالأشخاص والحيوانات ذوات القرون. وهناك أدوات تحمل رسوماً ملونة كذلك، وأكثر الألوان شيوعاً هو البني المائل إلى الحمرة، ومعظم الرسوم مرسومة على لون كريم أبيض. وأهم الأشكال الظاهرة على الأدوات المرسومة هي النقاط والخطوط والخطوط المتعرجة، وليس ثمة فخاريات مثلّمة بخطوط أو بإشارات الزائد إلا في الطبقات الحديثة.

وثمة غنى بين في تصنيع الأدوات الحجرية ومعظمها من الصوان (93%) والباقي من الأوبسيديان أو الأحجار الأخرى، بيد أنه ليس هناك أحجار صوانية حول الموقع، مما يشير إلى أن الصوان كان يستورد من مناطق أخرى بشكل رقائق وأدوات مصنّعة أو نصف مصنّعة. والظاهر أن السكاكين والمكاشط والنصال المشذبة بشكل غير منتظم هي الأنماط السائدة من الأدوات، في حين يندر وجود شفرات المناجل. وإذا كانت رؤوس السهام قليلة هنا فإنها تمثل نمطاً مميزاً من الأدوات، وأنواعها هي رؤوس السهام المستقيمة ورؤوس جبيل التي يمكن مقارنتها بنظائرها في مواقع العصر الحجري الحديث في المشرق القديم، وكذلك الرؤوس الصغيرة المثلثة ذات الساق القصيرة المعروفة باسم رؤوس البادية التي ظهرت مؤخراً في شرقي الأردن.

وأما المصنوعات فتشمل الأدوات العاجية كالصنانير والملاعق spatulas والفؤوس المصقولة والخرز المصنوع من الحجر والأصداف البحرية والأطباق الحجرية الجميلة المصنوعة من الرخام أو المرمر المشابهة لنظائرها في مواقع أخرى مجاورة من العصر الحديث (مثل تل الصوان)، ويضاف إلى ذلك بعض الدمى الطينية التي تمثل نسا وهنَّ جالسات.

وعند مقارنة المواد المكتشفة في موقع أم الدباغية بمثيلاتها في المواقع المعاصرة لها؛ يمكن ملاحظة وجود رابط حضاري مشترك بين مجتمعات العصر الحجري الحديث في مناطق السهوب شبه الجافة في المناطق الداخلية من سورية والأردن وفي السهول الشمالية من أم الدباغية، وقد استنتجت كيركبرايد من خلال المكتشفات الأثرية من أم الدباغية ومن موقعها الطبيعي أنها لم تكن قرية يسكنها المزارعون؛ بل كانت مركزاً تجارياً متقدماً يسكنه مختصون بصيد الغزلان والحمر البرية أتوا من بعض القرى ليجمعوا جلود الحيوانات ومنتجاتها.


المراجع

arab-ency.com.sy

التصانيف

عصر حجري حديث  آثار عراقية   الجغرافيا   التاريخ