كنتُ في السادسة والنصف من عمري؛ ركبتُ على جناح ( التراكتور ) الأيمن ( تَبَعْ أبوي )، وانطلقنا من مسكننا في خيمة في مزارع ( الكرامة ) إلى سوق ( بلدة الكرامة )، وطول الطريق التركتور ينطِّز ..ومحسوبكو متشبِّث بالجناح؛ خايف أقع .
وأذكر أنّ ( بابايا ) توقّف عند مكتبة لأمر ما؛ فنزلتُ معه.وفي فاترينة المكتبة؛ معروض ( بارودة لعبة ) مكتوب عليها ( 30 ق ) يعني ( ثلاثين قرشاً )، وقفتُ أمام البارودة طويلاً، وبعد أن همّ ( بابايا ) بالترويحة ..ناداني ..ولكني قلتُ له : بدّي البارودة هاي . نظر إليّ وهو يعض على أصبع الشاهد في اليد اليمنى ؛ وأشّر لي برأسه ؛ ولكني لجأتُ إلى سلاحي الدائم وهو البكاء .وللعلم بكائي لم يكن كالبكاء المعروف لديكم .كانوا يسمّونني ( المْفَظّحْ ) .وبدأ جعيري بالانطلاق : بدّي البارودة، بدّي إيّاها، هسّه هسّة، جيبولي البارودة .
لم أكن أدرك عظيم الإحراج الذي أهديته لوالدي .وبعد تداخلات .وبعد أن بوّسني ( من هون ومن هون ) أقنعني بأن المصاري في الخيمة . ولازم نروح نجيب المصاري ونرجع نشتري البارودة . وبسرعة البرق كنتُ على الجناح الأيمن للتراكتور . وصلنا إلى الخيمة في المزارع. كانت خيمة دار عمّي قريبة جدّاً علينا؛ وعندهم ضيوف . توجه والدي إليهم وجلس. لحقته .وصرختُ بأعلى ما تُعطيه جاعورتي من صوت : بدّي البارودة .بدّي البارودة . قام ( بابايا ) بسرعة وقال : اسبقني عَ الخيمة عشان نجيب المصاري .ركضت إلى خيمتنا .لم يكن بها أحد .دخل ( بابايا ) ؛ وليته لم يدخل .كان بيده ( بربيش أسود )، قلت بجاعورة منخفضة تماماً : ما بدّي البارودة خَلَص .فقال : والله غير تاخذها .خُذْ خُذْ . لا أستطيع أن أعدّ ( الشّمطات) إللي شمطني إيّاهن .ما خلّى ولا بقّى .. هَرَى وَبَري .ستواني .ولم تُفلح كل دعواتي له ببوس التوبة والحلفان بإني ما رَحْ أعيدها .وطِلْعَتْ على جلدي الذي صار أزرق.
|
الآن لا نطلب بارودة بارودة بثلاثين قرشاً ؛ لنلعب .بل؛ خُبْزاً فقط ؛ لنعيش | | .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة كامل النصيرات جريدة الدستور
|