ثمة دعابة تقول ان والد امين عام احد الاحزاب اليسارية قد زار ولده في سجن المحطة فأشبعه حديثا عن العمال والطبقة العاملة ، فما كان من الرجل الا ان قام بجولة على وسط البلد وتحديدا مكان تجمع العمال في ساحة المسجد الحسيني وسألهم عن اسم ولده الذي يتحدث باسمهم طوال فترة الزيارة ، فلم يعرفه احد ، فعاد لولده في الزيارة التالية وقال له لا تتحدث عن العمال ابدا ، فهم لا يعرفونك.

ربما من انتج الطرفة سياسي كان يحاول التشويش على الاحزاب اليسارية وربما هي واقعة فعلا وربما يريد مخرج النكتة ان يوصل رسالة الى الناس ان المثقفين اليساريين بالعادة معزولون عن طبقتهم او من يتحدثون عنهم بوصفهم طبقتهم.

القصة تعود الى الذاكرة بعد ان يمر اي يساري في تجربة بناء ، إذ سرعان ما يندم على موقفه من الطبقة العاملة وعلى الفترات التي ضاعت من عمره وهو يناصر قضاياهم ويتحدث باسمهم رغم انهم لا يعرفونه.

قديما كانت قيمة العامل عالية وكان اسمه "المعلم" وكان للمهنة اخلاقها وشيخ كارها الذي يمنح فعليا شهادة التدريب المهني الحالية مضافا اليها تقاليد المهنة واخلاقها ورسوخها ، وبعد دخول النقابات العمالية ضاع شيخ الكار وبات النقيب ومجلس النقابة هم شيوخ الكار ، وبما ان الشيوخ تعددوا فإن الطبخة قد انحرقت بحكم تعدد الطباخين ناهيك عن دخول من ليسوا ابناء المهنة الى الكار.

النقابات العمالية الان مفرغة العضوية في اغلبها ومعاهد الثقافة العمالية باتت اسما دون مسمى وحتى وزارة العمل اصبحت تمارس تنظيم السوق ولا تتدخل في سوية العامل ومهنيته ، وضاع المواطن في هذا المعمان ، فأنت تقوم بإعطاء المهني تلفزيونا او سيارة دون ضمانة سوى ما تتناقله السنة الخلق فقط ، واذا ما صادفت ازمة او خسرت جهازك فليس لك الا الله وان تشكو همك الى نفسك وترحل الى مغامرة اخرى ، سيقول البعض لماذا لا نلجأ الى الوكيل المعتمد والاجابة طبعا ان كلفة الاصلاح في الوكالة تقارب ثمن الجهاز نفسه وان حالفك الحظ فأنت امام مبلغ ضخم.

سوق العمل يتعرض منذ فترة الى هجمة وافدين وباتوا ضرورة للاقتصاد الوطني وايضا دون ضمانات للمواطن ، فالزراعة التي فتحنا تصاريحها باتت مصدرّة لكل الوافدين الذين يحملون تصريحا زراعيا ولكنهم لا يعملون في الزراعة وعلى ذلك قس حجم الضرر الذي يلحق بالمواطن وبصاحب العمل ايضا.

العمال ملح الارض نعم وعلينا واجبا ان نعيد للملح مذاقه بدل ان يصبح مجرد بودرة بيضاء فقط وعلى النقابات العمالية ان تذهب الى عمالها ببرامج ودورات بدل المناكفات الداخلية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور