سنتحرر اليوم من موسم صدق طويل ، عانينا من تبعاته طويلا ، وسنمنح صدقنا اجازة قوامها اربع وعشرون ساعة بعد ان طال عمله ولم يحصل على اجازة منذ نيسان الماضي ، نرهق صدقنا كثيرا ، فنحن نحصل على اجازات سنوية فيما يحصل الصدق على اجازة قصيرة - يوم في السنة الواحدة - وهذا ظلم للصدق ما بعده ظلم.

اليوم سيرتاح ضميرنا ايضا ، فهذه الثنائية بين الصدق والضمير مرهقة لهما ، واذا استراح الصدق يوما فهذا يعني ان الضمير في اجازة فلا يعقل ان يعمل قرص الفلافل دون زيت في المقلاة. ولا يمكن ان تعمل آلة الكذب في يوم يحضر فيه الصدق ويحرسه الضمير ، المعادلة تستقيم اليوم اجازة مزدوجة وبعدها اجازة لنا ايضا فقد ضاق صدرنا بحكم تغيّر طرأ على الهواء ، فهواء الصدق العليل غادر صدورنا واصابنا بلفحة هواء كاذبة ساهمت في تضييق الشعيبات الانسانية .

اجازة الصدق اضطرارية بعد جهد هائل قام به خلال عام شهدنا فيه نقلة نوعية على كل المستويات ، ردمنا الحفريات تحت الاقصى ، واقمنا جدرانا استنادية لمخزوننا الوطني والقومي على حواف القدس ، وردمنا الفجوة بين الاقطار المتصارعة ، ونجحنا في مد جسور الثقة بين مكونات الشعوب العربية ، واقفلنا ثقوب الحديث عن الاثنيات وصراع المذاهب ، هناك همس بان جوازا عربيا موحدا وعملة موحدة ستظهر في هذا اليوم.

كثيرة هي الاحتفالات التي سيشهدها هذا اليوم وكثيرة هي الاخبار السارة التي سيتناقلها الناس بين بعضهم وستحمل الهواتف الخلوية رسائل تعلن وصول العرب الى اجماعات كثيرة. واخرون سيحلمون باقفال ملف المعتقلين في الامصار والتخوم العربية وسيكون النصر على الابواب وسلسلة حوادث واحداث سيشيب لها شعر الرضيع سنطلقها اليوم.

شعوب الارض الاخرى من غير العرب ، ستشاطرنا الاحتفال ولكن بطريقة اقل شررا ، فسيرسل امريكي الى صديقيه انه غادرها ، فيما سيكذب فرنسي بانه تعرض لجرح في الصدر وانجليزي سيعلن اليوم عن فوزه بجائزة اللوتو ، اكاذيب بلهاء وصغيرة لا تليق بماضينا التليد وحاضرنا المشرق ، فنحن لنا اكاذيبنا الكبرى ونحب ان نبقى في دائرة الكبار حتى لو في يوم الكذب الكوني الذي ملته البشرية لكثرة صدقه.

اتمنى ان يرصد باحث اجتماعي الاكاذيب التي ستطلقها الشعوب العربية في هذا اليوم ، وان يضعها تحت عناوين شخصية ووطنية وقومية وانسانية وان يبدأ فريق بتحليلها وتبويبها وتصنيفها ، وسننتظر النتائج على احر من الجمر ليس لشيء ولكن لاحساس بان ما سيطلقه العرب من اكاذيب بين بعضهم البعض ستكون احلامهم وطموحاتهم وامالهم ، تخيلوا اننا سنطلق في يوم الكذب العالمي ما نعتبره غاية المنتهى ، وسنعلن كل امنياتنا على شكل اكاذيب واشاعات. اليوم فرصة لاطلاق العنان لموسم صدق طويل على شاكلة احلام واشاعات واكاذيب ، وبالتالي فان الصدق لن يحصل حتى على اجازة في يوم كذبة نيسان.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور