عاش رسول صلى الله عليه وسلم في مكة بين قبيلة قريش ( 13 ) سنة , يدعوهم إلى
الإسلام , ويتلوا عليهم القرآن الكريم , ويرد على شبههم , وينتقد آلهتهم , ويصلي
ويطوف في المسجد الحرام أمامهم .
ولم تحصل له المضايقات التي سببت له الهجرة إلى المدينة النبوية , إلا بعد أن أكثر
عليهم الكلام , وأطال في دعوتهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى حده , ونبذ الشرك وما
سواه من خرافات دينهم ومعتقداتهم .
هذه الصورة تبين مدى مجال الدعوة في قبيلة قريش , أهل الجاهلية الذين يغلب عليهم
الأمية وندرة التعليم والتخلف الحضاري .
وأما اليوم فالكثير بل قد يُقال كل الحكومات العربية والإسلامية , تضيق ذرعاً , ولا
تتحمل الدعاة إلى الله والنقاش معهم في مطالباتهم ورغباتهم وخاصة في الأمور السياسة
وشؤون الدولة مدة ( 13 ) دقيقة فقط ! هذا مع ادعائهم العلم , والتطور , والتحضر ,
وقبل هذا الإسلام !.
فكم من مقتول ومسجون ومعذب في غياهب السجون , بسبب قول أو رأي فقهي أو سياسي له حض
من النظر والدليل الشرعي ؛ وكأن هؤلاء الحكام والحكومات من سلالة شارون , أو جنكيز
خان , أو من بقايا النصارى الذين نكلوا بمن بقي من المسلمين في الأندلس .
فيا سبحان الله ! ما أشبه الليلة بالبارحة .. فوالله إن هذا ليذكرنا بقول الشيخ
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – , في رسالته المشهورة بالقواعد
الأربع , حينما قال : ( أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين , لأنّ الأوّلين
يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدّة ، ومشركوا زماننا شركهم دائم ؛ في الرخاء
والشدّة. والدليل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي
الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }
[العنكبوت:65] .
ونحن نقول قريباً من قوله : ( أن حكومات بلادنا العربية والإسلامية اليوم مع الدعاة
إلى الله , أغلظ طبعاً وأضيق صدراً من صناديد قريش ) .