قبل اعوام قال المفكر المغربي المرحوم باذن الله تعالى محمد عابد الجابري ان %20 من الادوات المستخدمة حاليا ستسقط في العام 2020 ، كان الحديث وقتها خياليا او اقرب الى تصورات مفكر فرانكفوني مسكون باحلام باريس ونسمات اوروبا ، وخلال هذه الاعوام سيتغير مشهد الكون وساكنيه تبعا للادوات المستخدمة.

الان ونحن على بعد خطوة من هذا العام الذي خلناه وقتها طويلا ، نكتشف ان ما قاله الجابري ليس فقط صحيحا بل اقل من المتوقع ، مهن بكامل ارثها رحلت ، وادوات صرنا نسخر من مستخدميها ، حتى شكل ساكني الكوكب بات يميل الى انحسار الاطوال وضعف البنية.

كان نجمنا المفضل مفتول العضلات مثل رشدي اباظة وكانت النجمة باسقة الطول ، الان كل النجوم متوسطو القامة وكذلك النجمات ، وعندما تذهب الى جامعة تكتشف السبب ، فالنجم على شاكلة مريديه ، فالاجسام كلها محسورة بل أميل الى الطفولة منها الى الشباب اليافع.

تلفون المنزل الارضي سقط استراتيجيا ولم تعد نغمته مسموعة وهو بانتظار اعلان النعي ، سلسلة اخرى من الادوات خرجت من السوق وصارت تراثا رغم ان جيلنا استعملها وتغنى بها "صوبة البواري" وبابور الكاز والزير وباقي المنتجات الفخارية.

نحن على ابواب نعي مهن قديمة ايضا نجت من وحشية الحداثة ، فقراءة الطالع والابراج لم تكتف بالنجاة بل نمت وازدهرت في عالم الحداثة ربما بحكم نجاح العالم الافتراضي وهذا ما دفع موقعا مثل تويتر كي يقدم خدمة قراءة الطالع الكترونيا ، وعلى اسماء لامعة في هذا المضمار ان تتحسس رأسها كضحايا مفترضة لواقع افتراضي ، وربما تتغير انماط الاجازات للموظفين بحجة سوء الطالع ، فلم يعد المكتب هو وسيلة الاطلاع على الابراج وبالتالي التورط في الدوام.

قضية واحدة فشلت فيها التقنية الحديثة ، فهي لم تستطع ان تهذب الوحش فينا ، بل زادت من توحشه ، فالجرائم تزداد وباقي الاعتداءات البشرية تتضاعف وتتناسل بشكل مريع ، خاصة في العالم الثالث التي اعتدت التقنية على روحها ووجدانها ، بحكم انها ناقلة للتجربة ومبرمجة على سوء الاستخدام دون ابداع.

ما يجري في العالم الثالث ونحن منه هو حالة تصادم بين صقيعين ، صقيع الماضي الآفل والتاريخ المعتم ولكن ينتج عن هذا التصادم شرر يقدح في وجوهنا للاسف وهنا يكمن التحدي في التصالح مع الحداثة بكل ما تعنيه من اثام واثار.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور