"الى خيري منصور وأسامة الشريف".
يبتكر العقل العربي ثنائية ، حتى لو كانت الفرادة ، هي المصطلح المضبوط على مسلخ اللحظة او الظرف الطارئ والطارق ابواب العقل والوجدان.
واكتسبت الثنائية غواية خاصة وانتجت عشاقاً ومريدين او اعداء وخصوما ، فالمشروب ثنائي "الشاي والقهوة" ومنح كل طرف ميزة على الآخر فصار الشاي للبسطاء واختار المثقفين والسادة ، القهوة بدرجات سكرها.
ظل الليل مرادفاً للنهار ، فانحاز الشعراء الى الليل والخيل وتركوا النهار للسارحين صباحاً والسراة فجراً من أجل قوت زغابهم مكتفين بالحديث عن العمال والفخر بهم دون ملامسة اكفهم او الجلوس معهم على قهوة العمال ، فنحن اخترنا الجلوس على مقاهي ذات اسماء رنانة وغرائبية قليلاً فضاع نهار البسطاء لصالح ليل الشعراء.
ثمة ثنائيات واضحة لا تستوجب التوقف طويلاً مثل الموت والحياة ، الليل والنهار ، القهوة والشاي حتى مشروب "السفن اب" فشل في اختراق حاجز "البيبسي والميرندا" حتى تستقيم ثنائية الاشياء ، ولما صار التفكيك نمطاً ذهنياً وليس سياسياً فقط ، فمن حقنا ان نبحث عن ثنائية داخل المفردة الواحدة او داخل نصف الثنائية.
فالنهار صبح وظهيرة ، وهي مواقيت تحمل تناقضات داخلية وتحتمل ان تكون ثنائية من احد الجوانب والليل مغرب وعشاء وهذه ثنائية أخرى تحتمل القراءة المتانية.
لكن ثمة ثنائية عجيبة في الانغماس الداخلي ، واستلال الاول من الاخر ، "الليل والفجر" ، فقد ظل العقل العربي يبحث عن "فجر الحرية" و"فجر الثورة" و"فجر الاسلام" وفجر كل شيء ايجابي فلم يرد الفجر الا مرادفاً للحياة بتفاصيلها الجميلة.
على عكس الليل الذي تلاحق معه كل صفات القبح فنقول عن الاستعمار "ثقيل كالليل" ولا بد لليل ان ينجلي والاهم استخدام مفردة ظلام دامس تلك المفردة المصحوبة والمصاحبة عادة بالاستعاذة من اشياء كثيرة ليس اولها اسرائيل ولا اخرها العرب العاربة.
المفارقة ان الليل حاضر في اشعارنا وقصائدنا واحلامنا وعشقنا وبؤسنا وفرحنا ، وحاضر في الثقافة العربية بصورة ايجابية عكس مدلولاته السياسية والحياتية ، فنحن في المعظم ابناء ظلمة ولا أقول ابناء ليل.
في حين ان الفجر لم يكن حاضراً في الثقافة والاشعار والقصائد فلا أحد وصف حبيبته بالفجر بل بالبدر والبدر يطلع ليلاً ، رغم اننا ندرك ان ساعات الفجر هي ساعات صفاء وربما نكتب اجمل ما نكتبه عن الليل فجراً ، ومع ذلك فإن الفجر يبقى منوطاً به الثورة والحرية وما تيسر من مصطلحات التحرير والتصعيد ، ويسير الليل نحو سكونه وألفته رغم ظلامه.
ربما نحب الليل لان الفجر دوماً كان ساحة يحبها الموت فانا اعرف كثيرين من الاحباب ماتوا فجراً وكذلك يعرف اخرون ذلك ، او لسبب اخر نركض نحو الليل ربما لأن فجرنا اصبح ليلاً.. ربما.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور