إن معرفتنا بحقيقة التنمية ستكون أكثر غنى وعمقا، إن هي سعت إلى ضم كافة المحددات والكيفيات المتدخلة، والتي بها يتم تحقيق حلم التنمية، والذي بات يراود الشعوب المستضعفة، وتتوق إليه بلهف وشغف. وإذا كان الرأي السائد حديثا حول إمكانيات تحقيق تنمية شاملة ينصرف... .
إلى القول بضرورة رصّ جدار تنموي بالاعتماد على كافة الأبعاد الثقافية والمعرفية والتربوية والنفسية، فإننا في هذه الورقة نسعى نحو تأكيد جدوى واستعجالية رتق مابين التربية والتنمية من فتوق، في أفق بلوغ المرام التنموي المأمول.
ولعل من بين ما لا ينبري الريب إليه، هو أن الوظيفة الأساس للتربية تتجلى في تنمية القوى البشرية الصالحة، حيث أن قوة أي حضارة تكمن في كيْف كتلها البشرية لا في كمها. والإنسان وليد التربية الصالحة ركيزة للنمو وللنهوض الحضاري وهو قبل ذلك رأسمال الأمم والشعوب.
إن التربية لا تتحقق إلا بالتربية التي تصنع الكفاءات البشرية والتي هي عماد النهوض الحضاري وبالتالي فإن القول بأن \"التنمية هي عملية بناء مشروع حضاري متكامل وهادف\"﴿1﴾ مفاده أن التنمية لا تتحقق بالموارد المادية وفقط، بل أيضا بصناعة الإنسان الذي سيُدير هذه الموارد، ويفكر في طرائق وكيفيات تنميتها. والتنمية لا تتحقق من جانب آخر بالإنسان الكفء وفقط، بل إنه حرِيٌ توفير حد أدنى من الموارد الطبيعية والمادية. ومنه فهذا المشروع التنموي أو ذاك لن يُرى له من أثر من دون الأخذ بهذا التكامل الثقافي والسوسيو-اقتصادي. ولا بد أيضا من تحقيق التوازن بين هذه العناصر وإحداث التغييرات اللازمة له في مجتمعاتنا لتحقيق المناط المنشود.
وربما قد يجد هذا الاتجاه مشروعيته من أمثلة كثيرة في التاريخ البشري والحضارة الإنسانية. ولن نجد أحسن مثال قريب من التجربة اليابانية. فهذا البلد أول ما بدأ به في نهوضه هو صناعة الإنسان صناعة تربوية- تعليمية، حيث تم الدفع بالجرّافات التعليمية لجمع أكوام الجهل والتخلف الفكري وبُسط العلم و التربية مكانهما. وكانت النتيجة بالتالي هي انبلاج كفاءات بشرية لها وزنها، جعلت البلاد تزاحم وتنافس الأقوياء. فالبلد كما هو معروف فقير طبيعيا لكن الإنسان النوعي جعل من \"اللاشيء\" قوة لها صوتها المسموع فاستحقت بذلك وصف المعجزة.
لكن في المقابل نجد البلدان العربية والإسلامية تتمتع بموارد طبيعية هائلة لكن للأسف فالجسد ينمو دون العقل والفكر. فكانت النتيجة في آخر المطاف هي الجمود والركون إلى جنب والخروج من سكة التاريخ.
قد لا نختلف إذن مع بعضنا في هذا الاتجاه الرامي إلى ربط التنمية بالتربية، لأن هذا الربط يهدف بالأساس إلى مفصلة النهوض الحضاري بالشروط الروحية والمعنوية له، ذلك أنه يستحيل الانطلاق في أي مشروع من منطقة الفراغ، ولأن أي مشروع إلا ويرتبط بمحدداته التربوية والتي تشكل قاعدة الانطلاق بالنسبة له. وباستطاعتنا ربط هذا الاتجاه بما نعيشه في حوالينا من أحداث ووقائع تُوقع بالإيجاب لهذا الطرح. ولهذا نفهم كيف أن الحملات الكولونيالية الغربية على العالم المُستضعف استهدفت من بين ما استهدفت البُنى التعليمية لهذه الشعوب. فالمغرب مثلا قبل الحماية كانت الأمية منحصرة في نسبة هزيلة جدا، لكن حينما خرج الاحتلال العسكري ترك البلاد في وحل 90% من الأمية ظل المغرب يعاني منها إلى اليوم(2).
لكن ما مضى الإتيان على ذكره يبقى حبرا على ورق وأفكارا حائرة ملتصقة بالعقل، ما دام الأمر لم يتحول إلى واقع معاش، ومادام الوعي لم يُشخص إلى فعل. فالإرادة السياسية إذن هي مفتاح باب التنمية، وهذا الباب صناعة تربوية صالحة.
وعلى هذا إذن فإنه لا توجد أية ضمانة حقيقية تجعلنا نعتقد بتبلور المعنى المتكامل لمفهوم التنمية، ما لم يتم وضع هذه الأخيرة على قاعدة صلبة تسمى التربية.
هوامش:
1- مقال: التربية أولا. للدكتور وائل القاضي.www.almoualem.net
2- راجع كتاب: التربية والتعليم في المغرب العربي لمحمد عابد الجابري.
المراجع
www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=845موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث