كنت أقرأ هذه الطرفة::
استلقى المريض بين يدي الطبيب النفسي يقصُّ عليه تفاصيل حياته. وبعد سرد تجاربه في
الطفولة، ومشاعره عن الحياة، وعاداته في الأكل، ومشاكله في العمل، وبعد أن أفضى بكل
ما يمكن أن يُفكر فيه. قال الطبيب " حسنا، اعتقد انك لا تعاني من أي مشكلة، فأنت
طبيعي مثلي، ... مثلي تماما، مئة بالمئة".
فصرخ المريض قائلا "لكن يا دكتور..."ونبرة رعب تكتنف احتجاجه " هذه الفراشات التي
تغطي كل جسمي، لم اعد أطيقها..." فقاطعه الطبيب مرعوبا ومبتعدا عنه "أعوذ بالله، لا
تنفضها علي".
الطبيب والمريض كلاهما في نفس القارب، جَهَلَة.
المحلِّل والمحلَّل متساويان. وهي لعبة يلعبها الجميع، كلٌّ يمثّل دورا في هذه
الحياة. ربما كان الطبيب أذكى من المريض، لكن هذا لا يعني أنه يعرف الحقيقة.
معرفة الحقيقة تتطلب وعيا شموليا وراقيا، ولا يوجد حل آخر.
والوعي الذي نقصده ليس بمسألة فكرية أو ذهنية، ولا يتأتّى من مراكمة المعلومات، ولا
من قراءة الكتب الفلسفية، بل هو اليقظة والصحو والإدراك.
علّق چارجييف على موضوع التحليل النفسي بقوله؛ انه لا يوجد علم اسمه علم النفس؛ إذ
كيف لِعِلْمِ النفسِ أن يتواجد والإنسان نفسه لم يُحَقَّق بعد؟. عندما يغيب
الإنسان، كيف لعلمٍ أن يكون قبله وعنه؟.
أولا، يجب أن يتواجد الإنسان ومن ثم تأتي العلوم عنه لاحقا..
علوم النفس الآن هي بعض الملاحظات التقنية عن الماكينة التي تُدعى إنسانا جزافا،
لكنها ليست علوم نفس الإنسان الحقيقي.
علم النفس ممكن ان يتواجد فقط حول الإنسان المتنور.
المتنور واعٍ، لذلك يمكن لك ان ترى ماهية عقله وطبيعة روحه.
صحيح أننا نعالج هذه الماكينة عندما يلمّ بها عطب أو خطب ما، لكن ما نفعله لا ينتسب
إلى علم النفس أو السيكولوجي، بل لعلم السلوكيات. وفي هذا الحقل كان بافلوف وسكينر
اصدق بكثير من فرويد ويونغ...بإيمانهم أن الإنسان ماكينة.
إلا أن بافلوف وسكينر كانوا محقّين فقط بخصوص هذا الإنسان الماكينة المتوفر الآن.
لكنهم من جهة أخرى كانوا مخطئين، لأنهم (بافلوف وسكينر) ظنّوا أن هذه هي الخاتمة؛
وباعتقادهم أن الإنسان لا يمكن أن يكون إلا على هذه الصورة الميكانيكية، وأن هذه هي
نهاية المطاف.
لم يستطيعوا تخيّل إنسان حقيقي كامل - ذو روح ومشاعر ووجدان ونُهى ولُب - غير
المتوفر الآن (الإنسان الماكينة). هنا كان مقتلهم.
لكن فرويد ويونغ وإدلر كانوا أكثر ضلالة، لأنهم فكروا أن الإنسان المتوفر حاليا هو
الإنسان الحقيقي. كانوا يتشدقون؛ ما عليك إلاّ دراسة الإنسان الحالي لتعرف الحقيقة.
حُظِيَت هذه المعتقدات بشعبية واسعة حينذاك، فانتشرت وطَغَت وعمَّت وعمَت، وشكّلت
ظاهرة مميَّزة لدى الباحثين والعلماء، "كالموضى". وأقل ما يمكنني القول فيها إنها
ظاهرة جهل مطبق، وهي ما زالت تلاحق وتُدين هؤلاء السيكولوجيين العظام!.
وما زلت أؤيد چارجيڤ أن الإنسان غير موجود بعد.
الإنسان خرافة، ودع هذه المقولة تكون إحدى الرؤى الأساسية لمفاهيمك. لأن هذا
المفهوم يحررك من الأكاذيب والأوهام والخدَع التي تغشي عينيك.
Osho –
Talks on The Royal Songs of Saraha
=============================
الحكمة لا تعني المعرفة المعلوماتية. الحكمة تعني الوعي، التأمّل، الصمت، الانتباه
والمراقبة. ومن صلب الوعي والصمت والانتباه والمراقبة يفيض التعاطف مع كل ما هو
موجود على الوجود. وفي اللحظة التي تبدأ فيها الاستمتاع بالنّعم المعطاة لك ستشرع
بالشعور والإحساس بآلام الآخرين من حولك.