هي المدينة الأقرب إلى مدينة رسول الله-صلى الله عليه وسلم - وهي الطريق إلى مكة, وأول خزان الوطن البشري جنوب القلب وآخر مخزون النفط وإقليمه , ومنها ظهر الشعار الأجمل والأدفأ «عبد الله لينا وحقك علينا». وقبلها هزجت المدينة بهذه الإهزوجة الى أبي عبد الله -رحمه الله- فرجال المدينة يفيضون فروسية وطيبة وصفاء أحلى وأصفى من عين الديك.

هذه المرة هزجت المدينة بما يفيض في قلبها من حب وبنفس اللغة وبنفس الطيبة على لسان شبابها, وكانت هذه الإهزوجة أيضا جملة عابرة للقلوب في كلمة العين توفيق كريشان أمام الملك , فارس الفرسان وزعيم النبل العربي فكان الجزاء من نفس العمل. وأية فروسية تفيض من نسل الحسين وهو يعلنها أمام الدنيا « معان لينا وحقها علينا «؟ وأي زعيم يملك هذا النبل الأصيل وهذا البوح الإنساني ليقول لمدينته الأغلى بأن حقها علينا؟ والنون ليس لها دلالة إلا دلالة الوطن بكليته طالما أن الناطق للجملة سيد البلاد وملهمها.

في كل عودة من زيارة المدينة التي شرفت بزيارتها مرات عديدة , كان الأمل يعلو أمام إحباط الواقع , وإغفال طبيعة المدينة وخصوصيتها التي تتطلب رؤيا أعمق وأشمل من باقي المدن , فهي على حواف الصحراء وحارسة الجنوب الأزلية وأول قلاع النخوة والثورة .

مدينة كلها قصبة , دون أحياء أو ضواح , ترابها زجاج وذهب , وطريقها الى الهداية موصول دائما , لكن ضلالة كثير من المسؤولين كرّست الصحراء بما تحمله من ضيق ومشقّة, ولم تبن فندقا واحدا يمكن ان يطيل اقامة الحجيج والمعتمرين ولم تستثمر درهما في تنشيط واقع المدينة حيال السياحة الدينية , وأكل الفساد زجاجها كما ابطال السيرك وشرب ماء بساتينها وتركها قاحلة دون خضرة .

عندما أطلق الراحل الحسين -رحمه الله- جامعتها كان يأمل ان توجد الجامعة واقعا موضوعيا يثري المدينة ويوجد ضواحي على حوافها , ودعم الملك عبد الله كل توجه نحو معان لإيجاد واقع جديد في المدينة قوامه العلم والتخصص المهني , لكننا تركنا الجامعة وحيدة تحاول ولم نمنحها ميزة اكاديمية لتكون اكثر تخصصا في التكنولوجيا التقنية مثلا او الهندسة التطبيقية او الفندقة الجامعية كي نوجد حبل تواصل مع جارتها العقبة ولتكون جاذبة للطلاب داخليا وخارجيا , كان يكفي الجامعة والمحافظة دعم تخصصاتها النادرة المفترضة لنوفر على الدولة وعلى الملك كل هذا الجهد ونوفر العناء على المدينة التي تحتاج الى زيادة جاذبيتها .

كان ممكنا لو توافرت نوايا صادقة تعكس أوامر الملك واقعا عمليا أن نعيد البهاء للمدينة , وأن تكون منارة كما هي فعلا من خلال جامعتها, مستحضرين تجربة جامعة اليرموك في إنتاج إقليم الشمال ورفع دخله وأسعار أراضيه وكيف أصبح علامة فارقة في العلم والمعرفة من خلال اليرموك والتكنولوجيا .

الملك أعاد الاعتبار للمدينة وهو يعلن بكل نبل وفروسية « معان لينا وحقها علينا « والمدينة كانت أودعت أهلها أمانة عند الملك الذي يحفظ الأمانة كابرا عن كابر فهو حفيد «الصادق الأمين» وسيكون المستشفى العسكري واعادة الاعتبار لدور الجامعة مفتاح الخير على المدينة مع ضرورة تفعيل استراتيجية السياحة الدينية في معان ومن حدود محافظتها كي تعود معان إلى ألقها ودورها فهي فاتحة الخير واول الثورة التي بها نفخر.

سلام على معان وعلى أهلها وعلى كل أناسها الطيبين وهم يعيشون الآن فرحة البداية الجديدة على وعد الفرح دائما لمدينة تستحق كل الفرح كما كل المدن والبوادي الأردنية .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور